الفكر وتهذيب النفس


رم -

بقلم : معاذ أبو عنزه

 

يعلم المرء منا علم اليقين بأنه يُولد في هذه الدنيا مسيراً لا مُخيراً في كثيرٍ من الأمور إن لم تكن أهمها، فلا يختار الفرد دينه أو عرقه، لونه أو حتى موطنه ومسكنه ولا حتى كنيته وفي بعض الأحيان لا يختار معتقداته وسلوكياته وإنما تولد معه بالفطرة إلى فترة عُمريةٍ ليست بسيطة في بعض الأحيان قد تصل إلى عدةِ سنواتٍ، ليجد نفسه بعد فترة وجيزة من عمره يدافع عن هذه المعتقدات أو الأفكار التي ولِدَت معه وترعرعت في عقله وروحه يوماً بعد يوم دفاعاً مستميتاً يقاتل من أجلها مَهماً كانت، لنجد أنفُسنا في دوامة من الأفكار والمعتقدات والمبادىء والتي قد تكون معظمُها باليةً ورجعيةً إلى حدٍ ما، إلا أن العقل الباطني لدى العديدين قد صورَ معتقداتً وأفكارا مسمومة ليراها منطقيةً وواقعية على غرارِ ما هي عليه بالواقع في ظِلِ بيئةٍ تعُجُ بتجار الفكر المسموم والذين ساهموا بل قادوا العديدَ من المجتمعات نحو الهاوية، بحيث نرى أن هذه المجتمعات قد شبت بها نيران حرب الفكر والمنطق قبل نيران القصف والقتل، حربٌ لن تخمد نارها قبل سنوات، شعوبٌ عانت وسوف تعاني، نِتاجٌ لظلمٍ وفقرٍ وجهلٍ وتعصب، لأن النار لن تلد إلا رمادا على أيِ حالٍ من الأحوال.

حالةٌ من التناقض تطغى على شخصية الفرد، أقوالٌ لا تتناسب مع الأفعال، أفكارٌ جميلة مُفعمةٌ بالأمل تصل بها الإيجابية عنان السماء إلا أنها مجرد أفكارٍ يُشارَكُ بها عبر صفحات التواصل الإجتماعي ليس أكثر ليضع صاحبها بصمة إلكترونية مُشرِقة منافيةً ومخالفةً تماماً لما يحمل من أفكارٍ تجول في خاطره وقناعاتٍ يمارسها على أرض الواقع للأسف.

إن إستثمار طاقات الشباب في العديد من المجتمعات المحيطة بعيداً عن الأطر والقنوات الإيجابية السليمة وعدم توظيفها بما يخدم مستقبلهم، قد قادها بشكل واضح وملموس إلى الهاوية، لنرى العديد من الدول المحيطة والتي كان البعضُ منها يوصف في يومٍ من الأيام بالمؤثر إن لم يكن عصبا مهماً والذي قد لعبَ دورا إستراتيجياً بالمنطقة قد أنهكتها الحروب والإنقسامات الفكرية والعقائدية والجغرافية منذ سنيين، حروب الكراهية والتطرف بإسم الدين، حروبٌ وقودها التعصب والجهل، سيطرت على عقولِ الكثيرين من أفراد المجتمعات المحيطة، في ظلِ أمرٍ فائقٍ أمر في الأهمية ألا وهو غياب المرجعيات الدينية الموثوقة بها والمنفصلة إنفصالاً تاماً عن المرجعيات السياسية الملوثة التي إعتادت تكييف الظرف والحدث بناءً على معطيات الظرف السياسي الراهن والهادفِ إلى تسييسِ الدين وتلويث فكر الشباب الواعد وتحويله من فاعلٍ بناء إلى عقيمٍ هدام.

الأصل بالأشياء هو العمل على توعية الفرد منذ الصغر أي منذ المراحل الإبتدائية إن لم تكن المراحل التي قبلها، والعمل أيضاً على ملء الفراغ الذي قد يكون سببا رئيسياً في تغيير مسار الفرد وسلك مسارٍ مغايرٍ منافيٍ للقيم والأخلاق، وتوظيف وسائل العلم والمعرفة المتاحة لتصويب الأخطاء المتفشيةِ في المجتمع والتي هي بالأساس تراكمية، قد تكون في أغلب الأحيان موروثة من الأجيال السابقة، وترسيخ مفهوم التربية المقرون بالتعليم، وتأسيس فكر واعٍ هادفٍ إلى بناء مجتمع واعٍ منتجٍ فاعل قادر على النمو والتطور والإرتقاء بالفكر إلى أعلى درجاته للوصول إلى التنافسية العلمية والثقافية على مختلف الأصعدة والمجالات عالمياً.

لذلك فإن تهذيب النفس يقع على عاتق الشخص نفسه في الدرجة الأولى وذويه (في فترةٍ معينة) وعلى المؤسسات التعليمية التي تدرج بها في مختلف مراحل حياته وعلى المجتمع الذي ينتمي إليه الفرد ككل.

نقلاً عن الرأي

 

مقالات مختارة للكاتب :

داعشيون فكريا 

الفرق ما بين السُلطة والسَلطة

أزمة أخلاق

ممثلٌ للشعب لا عليهم

هكذا كرمت أم الجامعات البطل أبو غوش !

سفراء الإسقاط المظلي وجوائز الترضية

نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً

دقة على الحافر ودقة على المسمار




عدد المشاهدات : (12885)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :