عندما يكون وقعُ القلمِ أكثر دوياً من الكلاشينكوف


رم -

 بقلم: معاذ أبوعنزة


شعوب ماتت وأخرى أُميتت وأبُيدت دون نتائج وتبعات تُذكر، ذكرها الناس ومرت عليها وسائل الإعلام مرور الكرام وتداولها الناسُ كما لو أنها قصص للأطفال، أقلامٌ كتبت بها إيجاباً وسلباً، حفظها ودونها وسردها الكثيرون، لكن أصبحت في نهاية المطاف حبراً على ورق، كثيرٌ من الأمثلةِ يطول الحديث والشرح عنها ولت وإنتهت حتى أصبحت ذكرى كحربٍ على العراق مات فيها الكثيرون من مختلف الأديان والأطياف، نارٌ خلفت رمادً من الأحقاد والنزاعات والإنشقاقات، نتائج لا تُحمد عقباها تمتد إلى يومنا هذا العام تلو الأخر إلى أجلٍ غير مسمى، معادلة سياسية جغرافية دينية دعت إلى السلام ونادت بالحرية والأمان فنتج عنها ما لا يمكن وصفه من الخراب والدمار.

كلنا سمعنا بحادثة الهجوم على صحيفة "تشارلي إيبدو" وإطلاق النار الذي أودى بحياة مجموعة من الناس من ضمنهم صحفيون، إلا أن الكثيرين لا يعلم هوية هذه الصحيفة الأسبوعية وما هو الخط التحريري لها، فمن باب العلم بالشيء أُسست هذه الصحيفة عام ١٩٦٩ على يد شخص يدعى "فرانسوا كافانا" تحت إسم "هارا كيري" إلا أن الصحيفة تم إيقافها عام ١٩٧٠ وكان السبب هو الإساءة للذوق العام حيث قامت الصحيفة بنشر رسومٍ مضحكة تعليقاً على حادثة وفاة الرئيس والجنرال الفرنسي "شارل ديغول" والذي رافقها أيضاً حادثة مقتلِ أكثر من مئة شخص في حريق في أحد الملاهي، فصدرت الصحيفة وعلى غلافها الرئيسي عنوانُ ساخر ألا وهو "رقص مأساوي، وحالة وفاة واحدة"، بعد ذلك بفترة أنشأ كادرها صحيفةً جديدة أسمَوَها "تشارلي إيبدو" وكان الإسم تشارلي مُقترناً أو إن صح التعبير هو إعادةٌ لتصويرٍ كارتوني أمريكي يدعى "تشارلي براون" ، حيث كان الخط العريض التحريري للصحيفة هو تقديم رسومٍ هازئةٍ وإستفزازية للساسة ورجال الأعمال والمشاهير والأهم من هذا وذاك رجال الدين والأنبياء والرسل، فقد سخرت أيضاً من بابا الفاتيكان وكما يعلم الجميع من الرسول عليه الصلاة والسلام.

إلا أن السؤال الأقوى والأهم لِمَ دائماً أقوم بالتبرير والمراوغة ومحاولة إبعاد أصابع الإتهام عني كمسلم في قضيةٍ أو سلوكٍ لا يمثلني ولا يمت لي بصلة، نعم أنا مسلم وأفتخر بذلك دائماً وأبداً، لكن في نفس الوقت أن ضد الإرهاب والتطرف والتشدد الغير مبرر بشتى صوره وأنواعه، أرفضه جملةً وتفصيلاً، لأنني أول من تضرر منه دولةً وأفراد، فلن ولم ننسى بعد تفجيرات عمان التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء.

فمهمة الحرب على الإرهاب لا تقتصر على جهة أو فئة بل على جميع الجهات والجبهات، فالقضاء على الإرهاب ومحاربته فكرياً وثقافياً يُعد في الكثير من الأحيان الأجدى والأنفع، بحيث تقع على عاتقِ الغربِ مسؤوليةٌ لا تقلُ أهميةً بل وتعتبر تشاركيةً مع الشرق في نقل صورة الإعتدال الديني والتسامح والتعايش بين الأديان في المجتمعات الشرقية والغربية.

نرفض وندين الإسلام المتتطرف ونقف ضد كل من يدعمه ويساهم ويشارك في القتل والإرهاب الذي تضرر منه المسلمون قبل غيرهم حيث أن الشرطي الفرنسي المقتول والظاهر في الڤيديو هو مسلم أيضاً، في الوقت ذاته نرفض أيضاً رفضاً تاماً غيرَ قابلٍ للنقاش أي شكلٍ من أشكال الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يجب على بعض الدول الأوروبية التمييز بين حرية التعبير والرأي والإساءة والإستهزاء وجرح مشاعر مليار ونصف المليار مسلم حول العالم وتداعيات مثل هذا العمل الإستفزازي المتكرر الذى أودى فيما سبق بحياةِ العشرات والمئات من المتظاهرين بسبب الخوض في مواضيع دينية مرفوضة خلخلة الأمن الداخلي والإستقرار المجتمعي في بعض الدول الأوروبية الذي يُعتبر الإسلام فيها جزءً من نسيجها المجتمعي، ففرض قوانين وعقوبات رادعة ضد من يخوض في مثل هذه المواضيع تحقن دماء وتخفف أحقاد نعمل على محوها سنوات طويلة لتظهر بلحظات بسبب تصرفات غير مسؤولة.

فالقلم في كثير من الأحيان وفي العديد من الظروف فاق قوته وتأثيره قوة وتأثير سلاح أوتوماتيكي كالكلاشنكوف فنحن نعلم وعلى مر التاريخ بأن السلاح قد يقتلُ أنُاسً بعدد أصابع الكف الواحد إلا أن القلم قد يُشعل حرباً أساسها سياسي أو إقليمي ويكون إمتدادها طائفي وعقائدي بحيثُ يكون نِتاجها جغرافي ودموي يموت فيها الألاف يَصعُبُ إخمادها لسنوات، فقد يكون كاتبً أو رسامً مثقفً متعلم يتقن ما يعمل سلاحه القلم أشد خطورةً على لُحمة وتماسك المجتمع العالمي وإستقراره الديني من مقاتل على حدود العراق تابع لأحد التنظيمات سلاحه الكلاشينكوف، لذلك على الغرب دورٌ يضاهي دورنا أهمية في الحفاظ على معادلة التوازن الديني والإستقرار الفكري ومحاربة التطرف والتشدد فكرياً قبل أن يكون عسكرياً، والعمل على إجتناب وعدم التطرق إلى أمور قد تثير حفيظة طرفٍ معين، حتى حرية التعبير لا تعني الإعتداء أو الإساءة إلى الطرف الأخر لأن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الأخرين والله من وراء القصد.

 

 




عدد المشاهدات : (8055)

تعليقات القراء

ابوحمزه
مشكور يا عزوز النشمي كلام طيب
13-01-2015 09:15 AM
بندر
والله من وراااااااااااء القصد
12-01-2015 09:52 PM
عبدالله
السؤال المطروح من انشأ التطرف ومن قام بتوفير البيئة الحاضنة لأولئك المتطرفون اليست الانظمة الاستبدادية !! اليس الظلم وعدم العدالة والاستعباد والاستبداد التي مارستها الانظمة والدول الاستعمارية ..هنالك اسباب اكبر من رسومات او كاريكاتيرات ..والموضوع له عوامل واسباب مخفية
12-01-2015 07:59 PM
لغوي
لا باس بكتابتك لكن انتبه للقواعد واللغة مثل غير بدلا الغير
12-01-2015 07:49 PM
محمد كامل
تم وقف الصحيفة لانها سخرت من شارل ديغول لأن السخرية تمس شعور عدة ملايين من الفرنسيين، ولم يتم وقفها لانها سخرت من رسول لمليار مسلم في كل انحاء العالم.
للعلم فقط هذه النوعية من الصحف تسمى الصحف الصفراء أو التابلويد، ويندرج تحت هذا التصنيف المجلات الاباحية أيضا
12-01-2015 05:33 PM
خادون علي
تدفنون انفسكم في الرمال ولا تواجهون
الحقائق عبر تبرير الحروب وكانها ارهاب هذه مراحل تاريخيه ولكن نتحدث
عن افراد يقتلون يذبحون لقناعات دينيه ان كنتم تريدون مواجهة الحقيقه انتبهوا للنصوص الدينيه وللمناهج وللتكفير او ابقوا غنوا وتكلموا عن الحروب الصليبيه وداعس والغبراء
12-01-2015 03:04 PM
الي معتز
كفيت وفيت . وانا افتخر بانني مسلم والحمد لله
12-01-2015 12:46 PM
صحفي
رائع المقال استاذ معاذ
12-01-2015 12:35 PM
معتز
أنا فخور بأنني مسلم !!
اعجبني رد هذا العالم الالماني المسلم عندما سئل عن الارهاب والاسلام: قال: من بدأ الحرب العالمية الأولى؟ ليسوا مسلمين؟ من بدأ الحرب العالمية الثانية؟ ليسوا مسلمين! من قتل حوالي ٢٠ مليون من السكان الأصليين الاستراليين؟ ليسوا مسلمين! من أطلق القنابل النووية في هيروشيما و ناغازاكي؟ ليسوا مسلمين! من قتل أكثر من ١٠٠ مليون هندي أحمر في أمريكا الشمالية؟ ليسوا مسلمين! من قتل أكثر من ٥٠ مليون هندي أحمر في أمريكا الجنوبية؟ ليسوا مسلمين! من استعبد أكثر من ١٨٠ مليون أفريقي ورمى ٨٨٪ ممن قتلوا في المحيط الأطلسي؟ ليسوا مسلمين! لا ليسوا مسلمين! أولاً يجب عليك تعريف مصطلح الارهاب! اذا قام غير المسلمين بعمل فهو جريمة .. أما اذا قام المسلمين بنفس العمل فهو ارهاب! لذا يجب علينا أن نحدد مبادئنا ثم نناقش هذا الموضوع! أنا فخور بأنني مسلم
12-01-2015 12:12 PM

أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :