رم - تسود حالة من الترقب في البيت الأبيض، عقب إعلان موسكو عن هجوم أوكراني استهدف مقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما تسبب في إرباك حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتزامن هذا التطور المفاجئ مع مرحلة حساسة من مفاوضات السلام بين الطرفين.
وكشفت مصادر في البيت الأبيض لـ"إرم نيوز" أن الترقب هو المسيطر على مسؤولي فريق الأمن القومي للرئيس ترامب؛ لأن الكرملين عند إبلاغه الرئيس ترامب بالهجوم خلال الاتصال الهاتفي بينه وبين بوتين احتفظ لنفسه بحق الرد على الهجوم الأوكراني بالطريقة التي يراها ويقدر أنها مناسبة.
وقالت المصادر إن هذا التطور جاء في التوقيت الخاطئ تماما بعد أن نجحت وساطة ترامب ومساعديه في تذليل الكثير من العقبات وبات النقاش عند نقاط تفصيلية محددة ممكنة التجاوز بمزيد من الجهد والحوار المتواصل مع الطرفين، لكن هذه الجهود وبعد هذه التطورات باتت جميعا مهددة في تحقيق أهدافها.
وأوضحت المصادر ذاتها أن أكبر العقبات التي واجهها الرئيس ترامب ومعاونوه في ملف الحرب في أوكرانيا هي انعدام عنصر الثقة في الالتزامات والوعود بين الجانبين الأوكراني والروسي.
زيلينسكي ووعود بوتين
أظهر الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي خلال لقاءاته المتعددة مع الرئيس ترامب وكبار مسؤولي إدارته، نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو وكذلك مع المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، تشكيكا دائما في أي التزامات يعلنها أو يظهرها الرئيس بوتين.
زيلينسكي أبلغ الرئيس ترامب تحذيره من أن وعود بوتين هي تكتيكات مرحلية ومتغيرة مع الوقت وأن رهانا شخصيا من الرئيس ترامب على ذلك سيكون خطأ استراتيجيا من جانبه شخصيا، مؤكدا أن بوتين لا يتردد في اللجوء إلى جميع الوسائل المتاحة لديه لتحقيق رغباته حتى لو كانت على حساب التزامات كان قدمها على هذا المستوى السياسي.
وقالت المصادر لـ"إرم نيوز" إن هذه النظرة السلبية صاحبت جلسات زيلينسكي في جميع المحطات التفاوضية ولذلك كان من الصعب لفريق ترامب أن يشجع الرئيس الأوكراني على تصديق أي التزامات يقولها المفاوضون الروس وعلى جميع المستويات السياسية.
الموقف الروسي
الأمر لم يكن أقل سوءا لدى الجانب الروسي الذي حرص مفاوضوه على إظهار عدم أخذهم الرئيس الأوكراني بالجدية اللازمة، وفي مناسبات عديدة تعاملوا مع اسمه بقلة احترام معلنة.
حرص هؤلاء دائما على تقديم زيلينسكي في صورة الرئيس الفاقد للشرعية في الداخل، وكذلك المرتبط بأجندة أوروبية خالصة في مساعيه لتضييق الخناق على روسيا دبلوماسيا واقتصاديا.
وأضافت المصادر أنه في جميع جلسات التفاوض كان المفاوضون الروس يربطون بين زيلينسكي ومواقف الأوروبيين ويقولون إنه سيكون من الأفضل للجانب الأمريكي الذهاب مباشرة إلى الجانب الأوروبي بدلا من إضاعة المزيد من الوقت مع الرئيس الأوكراني الذي لا يملك قرارا مستقلا عندما يتعلق الأمر بمسار المفاوضات.
هذه العقبات السابقة يقول المقربون إنها عطلت الكثير من المساعي الأمريكية بسبب انعدام الثقة بين الطرفين.
يأتي هذا التطور ليفتح الباب أمام احتمالات سيكون جميعها سيئا على مساعي تحقيق انفراج في هذه الحرب.
تشكيك أوكراني
أفادت مصادر البيت الأبيض بأن الجانب الأوكراني أبلغ الوسطاء الأمريكيين أن موسكو لا تملك أدلة كافية عن هذا الهجوم وعن وقوف القوات الأوكرانية وراءه وأنه مجرد اختلاق روسي آخر هروبا من واجبات التفاوض القائمة حاليا.
الأوكرانيون أبلغوا الفريق الأمني في البيت الأبيض أن الرواية الروسية هي تأكيد جديد لقناعتهم القديمة الجديدة أن الكرملين ليس جديا في البحث عن فرص للتسوية.
ولذلك يوضح هؤلاء لمسؤولي إدارة ترامب أنه كلما كانت هناك فرصة لتحقيق إنجاز ما حتى لو كان محدودا ذهب الروس إلى اختلاق سيناريوهات جديدة تعرقل أي تقدم على أية جبهة تفاوضية.
العودة إلى نقطة الصفر
هناك شعور في البيت الأبيض أن الفريق العامل على الملف الأوكراني بصدد العودة إلى نقطة الصفر في ما يتعلق بجهود بناء الثقة بين طرفي الحرب.
الأوكرانيون يتوقعون حاليا أن تلجأ موسكو إلى إجراءات انتقامية فورية لا يستبعدون معها أن يتم استهداف شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة الأوكرانية أو حتى مؤسسات حكومية في العاصمة كييف تحت ذريعة الرد على الهجوم الأوكراني.
وقالت المصادر إنه سيكون من الصعب بعد هذه التطورات إقناع الأوكرانيين بوجود أي استعداد جدي لدى الجانب الروسي للذهاب في مسار سلمي أو حتى التصديق على خطوات مرحلية بإمكانها أن تؤدي مع الوقت إلى تحقيق ذلك الهدف البعيد الذي تسعى إليه إدارة ترامب وهو إنهاء الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا.
وأضافت أن فريق الأمن القومي وبعد قرابة العام الكامل من العمل على هذا الملف باتوا أكثر إدراكا للتعقيدات المرتبطة بتفاصيل الخلاف العنيف وكذلك حجم العداء الكبير المتراكم بين الجانبين الأوكراني والروسي.
وهذا التطور السلبي سوف يزيد من انهيار الثقة -المحدودة أصلا- كلما تعلق الأمر بنقل رسائل الثقة بين كييف وموسكو وسوف يجعل من الأيام والأسابيع المقبلة أكثر تعقيدا وتصعيدا في المواجهات المفتوحة بين الطرفين على أرض المعركة.