رم - لم تعد الأزمات والكوارث في عالم اليوم أحداثًا طارئة، بل أصبحت واقعًا متكررًا يفرض على الدول ومؤسساتها تطوير أنماط الإدارة وأساليب اتخاذ القرار. وفي الأردن، تقع على عاتق الإدارات المحلية، بدءًا من البلديات، مرورًا بمجالس اللامركزية، وصولًا إلى مؤسسات الدولة على مستوى المحافظة، مسؤولية مباشرة بوصفها خط المواجهة الأول والأقرب إلى المواطنين. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إعداد الفكر الإداري ليكون فكرًا استباقيًا قادرًا على إدارة الأزمات والكوارث، على نحو يشبه إعداد الدولة للحرب، حيث يكون التخطيط والجاهزية سابقين للحدث لا لاحقين له.
وتؤكد التجربة العملية أن الإدارات المحلية تشكّل حجر الأساس في إدارة الأزمات، لما لها من دور مباشر في سرعة الاستجابة وضمان استمرارية الخدمات الأساسية. كما أثبتت الوقائع أن ضعف الجاهزية الإدارية يضاعف الخسائر، وأن توفر الموارد وحده لا يكفي ما لم يُدعَم بفكر إداري منظم قادر على التنسيق واتخاذ القرار في ظروف استثنائية. ويُظهر ذلك أن نجاح إدارة الأزمات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنوعية الفكر الإداري السائد داخل المؤسسات المحلية.
وينطلق هذا الطرح من افتراض أن الأزمات ستستمر وربما تتزايد، وأن النمط التقليدي للإدارة المحلية لم يعد كافيًا للتعامل مع هذا الواقع المتغير. كما يفترض أن تطوير الفكر الإداري ممكن وضروري حتى في ظل محدودية الموارد، وأن الاستثمار في الاستعداد المسبق والوقاية أقل كلفة وأكثر فاعلية من معالجة آثار الأزمات بعد وقوعها.
إن التحول المطلوب يتمثل في الانتقال من إدارة تركز على تسيير الشؤون اليومية إلى إدارة حديثة قائمة على إدارة المخاطر وبناء الجاهزية. فإدارة الأزمات، كما هو الحال في الاعداد للحرب، تتطلب رؤية واضحة، وقيادات مؤهلة، وخططًا وسيناريوهات مسبقة، وتدريبًا مستمرًا، إضافة إلى تنسيق فعّال بين البلديات، واللامركزية، ومؤسسات الدولة على مستوى المحافظة. كما أن المركزية المفرطة وتداخل الصلاحيات يحدّان من سرعة القرار المحلي، ويؤديان إلى إرباك الجهود الميدانية، ما يستدعي تعزيز اللامركزية الواعية ضمن إطار وطني منظم.
ويُستنتج من ذلك أن قدرة الإدارات المحلية الأردنية على مواجهة الأزمات لا تعتمد فقط على حجم الإمكانات المتاحة، بل على مدى نضج الفكر الإداري القائم عليها. فالإدارة المستعدة فكريًا وتنظيميًا تكون أكثر قدرة على احتواء الأزمات وتقليل آثارها، في حين يؤدي غياب هذا الإعداد إلى تفاقم الخسائر وتراجع ثقة المواطنين بالمؤسسات العامة.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب ضرورة ترسيخ إدارة الأزمات والكوارث كجزء أصيل من الفكر الإداري المحلي، وتأهيل القيادات عبر برامج تدريب متخصصة، وإعداد خطط طوارئ مبنية على تقييم علمي للمخاطر، وتعزيز التنسيق المؤسسي، ومنح الإدارات المحلية صلاحيات مرنة أثناء الأزمات، إلى جانب إشراك المجتمع المحلي في التوعية وبناء ثقافة الاستعداد.
وفي النهاية، فإن إعداد الفكر الإداري في الإدارات المحلية الأردنية لإدارة الأزمات والكوارث لم يعد خيارًا إداريًا، بل ضرورة وطنية تمس الأمن والاستقرار والتنمية، وتشكل الأساس للانتقال من إدارة ردود الأفعال إلى إدارة المستقبل.
الدكتور مفلح الزيدانين
متخصص في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد البشرية