رم - بلال حسن التل
في بلدنا يكبر خطأ شائع, يتداوله الناس بصورة يومية, مفاده أن الأردنيين يخافون من الحياة الحزبية, ومن ثم يخافون من الحكومات الحزبية, وهو خطأ يدل على جهل بتاريخنا الوطني, يغذيه غياب التربية الوطنية سواء في بيوتنا أو مدارسنا أو جامعاتنا أو مراكز شبابنا, باختصار فإن التربية الوطنية غائبة عن كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية في وطننا الأردني. فلو كانت هذه التربية حاضرة لما غاب عن أذهاننا ثم عن أدبياتنا السياسية وعن مجالسنا, إن أول حكومة أسست عند تأسيس الدولة الأردنية كانت حكومة حزبية معظم أعضائها من حزب الاستقلال, بما فيهم رئيسها رشيد طليع الذي شكل الحكومتين الأولى والثانية في عهد الأمارة, وكانتا من أركان حزب الاستقلال الأمر الذي لم يكن محل رضا الانتداب الذي ضيق عليهما.
وإذا كان حزب الاستقلال ذا نكهة قومية, بفعل الأجواء التي كانت سائدة في المنطقة, فإن ظهور الأحزاب الوطنية الأردنية ذات البرامج المحلية لم يتأخر كثيراً, فقد ظهر حزب الشعب الأردني عام 1927, والذي كان برنامجه يتضمن الدعوة إلى قيام مجلس نيابي منتخب تكون الحكومة مسؤولة أمامه, كما تبنى الدعوة لعقد المؤتمر الوطني الأردني لمقاومة معاهدة الانتداب, ثم ظهر حزب اللجنة التنفيذية بزعامة حسين باشا الطراونه, الذي تبنى نتائج المؤتمر الوطني الأردني الأول وخاصة الميثاق الذي أصدره المؤتمر, ثم توالى تأسيس الأحزاب الوطنية الأردنية البرامجية طلية فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي, إلى أن بدات تظهر على الساحة السياسية الأردنية الأحزاب العقائدية, وكانت في معظمها غير أردنية النشأة, فقد كانت فروعاً وامتدادات لأحزاب غير أردنية النشأة, فقد كانت فروعاً وامتدادات لأحزاب تأسست في بلاد عربية أخرى, وهي النشأة التي أدت إلى إنتكاس الحياة الحزبية في الأردن, لأن الكثير من هذه الأحزاب تبنت برامج غير أردنية, فكان لابد من أن يقع الصدام بينها وبين الدولة الأردنية كما حدث في خمسينيات القرن الماضي.
هذه الحقائق التاريخية الموثقة, تؤكد أن المزاج الشعبي الأردني ليس ضد التحزب والحزبية, إذا قدمت له الأحزاب برامج وقيادات مقنعة, وهي حقائق تؤكد أيضاً أن بلدنا كان مبكراً في تشكيل الحكومات الحزبية, وهي حقائق تؤكد كذلك أن لدينا تجربة حزبية برامجية يمكن البناء عليها وتطويرها إن تبناها رجال تجردوا من المطامع الصغيرة لحساب التطلعات الكبرى لشعبنا.
غير الخطأ الشائع حول خوف الأردنيين من الحزبية, فإن هناك كذبة تقول أن السبب الرئيسي لعزوف الأردنيين من التحزب هو الخوف الأمني, وهذا كذب صريح يحول الاحهزة الأمنية إلى مشجب يعلق عليه الحزبيون فشلهم, والدليل أنه في فترة الستينيات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهي فترة الحظر القانوني للأحزاب وللعمل الحزبي, كان لدينا أحزاب , لها رموز معروفة ويشار إليهم بالبنان, وكانت أدبياتهم توزع بصورة شبه علنية وإن لم تكن قانونية, وسر ذلك أن تلك الأحزاب وبالرغم من اختلافنا معهاكانت تبني على اسس سليمه, وكان يقودها حزبيون حقيقيون تجردوا من المطامع الصغيرة لحساب التطلعات الكبرى, وهي المعادلة التي انقلبت منذ أن استؤنفت الحياة الحزبية قانونياً في بلدنا, فتكاثرت الأحزاب فصارت كغثاء السيل لكنها لا تقنع أحداً بالانتساب إليها, فما بالك بالتضحية في سبيلها, وهي حقيقة يجب أن يعترف بها من يريد أن يشكل حزباً بأن يبدأ بمعالجة الأسباب الحقيقية لفشل من سابقوه, فلم يعد تعليق فشل البعض على مشجب الاحهزة يقنع أحداً .
[email protected]