حدود تلتهب ودولة لا تنتظر !!!


رم - #الدكتور__فوازأبوتايه

لم تكن الحدود الاردنية السورية يوما خطا جغرافيا جامدا بل كانت عبر التاريخ مساحة إختبار دائمة بين منطق الدولة ومنطق الفوضى فمنذ عقود أدرك الاردن ان ما يجري شمالا لا يتوقف عند السيادة السورية بل يمتد أثره مباشرة الى أمنه الوطني وأن إنهيار الدولة في الجوار لا يعترف بالحياد ولا ينتظر الحسابات المؤجلة.

ففي زمن النظام السوري السابق بقيت الحدود مضبوطة شكليا لا بفعل إستقرار سياسي حقيقي بل نتيجة مركزية أمنية تعرف كيف تمسك الأطراف ومتى تفلتها ورغم ما شاب تلك المرحلة من توظيف للحدود كورقة ضغط إختار الاردن سياسة الصبر الإستراتيجي مدركا ان إنفلات الجنوب السوري سيترجم تهديدا مباشرا تهريب سلاح مخدرات وفوضى عابرة للجغرافيا
غير أن ما بعد سقوط النظام السابق لم يكن إنتقالا الى واقع أفضل بل إنزلاقا الى فراغ مفتوح في الجنوب السوري ولا سيما السويداء التي تحاول الخروج من عباءة الدولة قيادات محلية تتحدث بإسم الارض لا بإسم العقد الوطني وبإسم الخصوصية لا بإسم السيادة حتى بلغ الخطاب حد المطالبة العلنية بالإنفصال في تعبير صريح عن تفكك المعنى الجامع للدولة السورية

تصريحات الشيخ حكمت الهجري وما رافقها من تهديدات مباشرة للأردن وقيادته لم تكن زلة لسان ولا إنفعالا لحظيا بل مؤشرا خطيرا على إنتقال الفوضى من الداخل السوري الى تخوم الإقليم هنا لم يعد الامر شأنا سوريا داخليا بل مساسا مباشرا بمعادلة الأمن الاقليمي ورسالة بأن غياب الدولة يفتح المجال لخطابات بلا سقف ولا يمكن فصل هذا المشهد عن سقوط الجولان بأنه مجرد خسارة أرض بل كسرا مبكرا لميزان الردع في الجنوب السوري فحين تترك الجغرافيا بلا دولة تحميها تتحول الأطراف الى مشاريع مفتوحة إنفصال اليوم وحكم ذاتي غدا وتحالفات عابرة للدولة بعد ذلك سيدفع الجوار كلفة فاتورة فوضى لم يصنعها .

أما الضربات الجوية الأردنية الأخيرة فقراءتها خارج سياقها السياسي والسيادي قراءة مبتورة لم تكن اعتداء ولم تكن خروجا على تقاليد الدولة الاردنية في إحترام الجوار بل جاءت في إطار تنسيق أمني مباشر مع الدولة السورية ووفق مبدأ ثابت لم تحد عنه عمان يوما الأردن لا يعتدي على الدول ولا يبادر بالحرب ولا يجعل من حدوده منصة إنتهاك للسيادة لكنه في المقابل لا يقبل أن تتحول الجغرافيا المنفلتة الى مصدر تهديد دائم ولا أن يستثمر غياب الدولة لإبتزاز أمنه أو تهديد إستقراره كانت الضربات رسالة ضبط لا رسالة حرب وإعلان حدود لا إعلان خصومة فالأردن لا يعادي سوريا بل يعادي الفوضى ولا يخشى التنوع بل يخشى التفكك وهو ينظر الى أي نظام سوري قائم أو قادم من زاوية واحدة هل يعيد إنتاج الدولة هل يضبط الجغرافيا هل يمنع تحويل الأرض الى سلاح أما مشاريع الإنفصال مهما تلحفت بخطاب حماية الأقليات أو الخصوصيات المحلية فهي في ميزان الدولة الأردنية تهديد مباشر لأن تفكيك سوريا لا يعني إعادة رسم حدودها فقط بل إعادة رسم خرائط الخطر في الإقليم باكمله.

في جوهر المسالة لا يدور الصراع حول غارة أو تصريح بل حول الشرعية ذاتها فالشرعية ليست خطابا يقال بإسم الناس بل قدرة الدولة على حماية العقد وضبط الحدود ومنع الفوضى من التحول إلى نظام بديل وحين تغيب الدولة تستدعى القوة لا بوصفها خيارا بل بوصفها ضرورة مؤقتة لحماية معنى الدولة نفسه والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الزمن المرتبك هل الخطر الحقيقي على المنطقة هو دولة تتحرك بالتنسيق والقانون لحماية سيادتها وحدودها أم غياب الدولة الذي يترك الفوضى تملأ الفراغ ثم تطلب من الجوار الإعتراف بها كأمر واقع لتنتظر المجهول .



عدد المشاهدات : (4434)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :