الأب الملهم .. ودوره في تحقيق الأمن الفكري داخل الأسرة


رم - يُثير مفهوم الإلهام تساؤلات عديدة؛ فهو تلك القوة الداخلية التي تدفع الإنسان للإنجاز، وتشعل شغفه، وتوجهه نحو تحقيق أهدافه. وقد يأتي الإلهام من فكرة، أو موقف، أو مشهد طبيعي، أو شخصية لها أثر عميق في حياتنا. وحين يُجسّد الأب هذا المعنى، يتكوّن لدينا مفهوم الأب الملهم… ذاك الرجل الذي يعمل في صمت لكنه يضيء الطريق لأبنائه، ويغرس في داخلهم قيماً تصنع مستقبلاً متوازناً وآمناً.

الأب الملهم ليس مجرد ربّ أسرة، بل هو مدرسة قيم وفكر. من هدوئه نتعلم، ومن أفعاله نستلهم منهجاً للحياة. إنه الأب القدوة الذي يربي أبناءه على القوة برحمة، وعلى الانضباط دون قسوة، وعلى الحنان دون إفراط. لا يكتفي بتأمين الاحتياجات المعيشية، بل يوازن بينها وبين حاجات أكبر وأعمق: الحاجة إلى الأمان النفسي والفكري.

وهنا يتجلى دوره في تحقيق الأمن الفكري داخل الأسرة.
فالأمن الفكري يبدأ من بيئة آمنة تحترم الحوار، وتحتضن الأسئلة، وتوجّه العقول دون فرض أو تطرف. والأب الملهم يصنع هذه البيئة بحكمته ووعيه؛ فهو يناقش أبناءه، يستمع لآرائهم، يفتح أمامهم نوافذ المعرفة، ويحمي عقولهم من الانحراف الفكري، عبر بناء أساس قوي من الوعي والنضج والثقة.

وجود الأب الملهم يخلق جواً أسرياً مستقراً يُشعر الأبناء بالطمأنينة، ويمكّنهم من التفكير السليم واتخاذ القرارات بوعي. فالتنشئة السوية التي يقدمها أسهمها لا تقتصر على تشكيل شخصية قوية فقط، بل تمتد لتكوين عقل مقاوم للانحرافات الفكرية، قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، وبين ما يبني وما يهدم.

الأب الملهم كتلة من الطاقة الإيجابية؛ يحاور أبناءه، يوجههم، يشجعهم، ويمنحهم الثقة ليعبروا الحياة بوعي. وعندما يتعثرون، يدعمهم، ويعلمهم كيف ينهضون، وكيف يجعلون من كل تجربة درساً. وهكذا تتشكل لديهم مناعة فكرية تجعلهم أكثر إدراكاً لما يواجهونه في مجتمع متغير.

يا أيها الآباء… إن أبناءكم أمانة، وفكرهم أمانة أعظم. كونوا لهم قدوة تلهم عقولهم قبل قلوبهم، ورسّخوا فيهم حب المعرفة، واحترام الاختلاف، والثبات على القيم. فبوجودكم يصبح البيت حصناً فكرياً لا تُخترق عقول أبنائه، وجذوة وعي تضيء مستقبلهم.

وفي النهاية، يبقى الأب الملهم من أجمل النماذج الإنسانية؛ ملهمٌ بحضوره، مؤثرٌ بقيمه، وبصمته أعمق من الكلمات. فهو لا يربي أبناءه ليعيشوا فقط… بل ليكونوا بدورهم مصادر إلهام وأمن فكري لمن يأتي بعدهم.

سلامٌ لكل أب كان نوراً، ووعياً، وأماناً لعقول أبنائه وقلوبهم.
الدكتورة فداء مفلح عوده الزيدانين
مختصة وخبيرة في الإرشاد الاسري



عدد المشاهدات : (1015)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :