الكرة الأردنية بين اللحظة الذهبية ومسؤولية البناء


رم - بقلم الدكتور محمد نصرالله فرج

تعيش الكرة الأردنية واحدة من أهم مراحلها التاريخية، مرحلة لم تأتِ بالمصادفة ولا يجوز التعامل معها كإنجاز عادي. فمنذ نهائي كأس آسيا، مرورا بالتأهل التاريخي إلى كأس العالم، وصولًا إلى نهائي كأس العرب، أثبت هذا الجيل من “النشامى” أنه جيل قادر على المنافسة الحقيقية، لا الاكتفاء بالمشاركة، واضعا الأردن في موقع متقدم على خارطة كرة القدم الإقليمية والدولية.
هذا التحول لم يكن منفصلا عن دعم ورؤية واضحة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وبدعم مباشر من الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وبالدور القيادي الذي يضطلع به الأمير علي بن الحسين. هذا الدعم شكل مظلة حقيقية لرؤية تطوير استثمرت في الإنسان قبل النتائج، ومنحت المنظومة الرياضية الثقة اللازمة للانتقال من مرحلة الطموح إلى مرحلة الإنجاز.
غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن فيما تحقق، بل في كيفية إدارة هذه اللحظة. فالخطأ الأكبر يتمثل في الاكتفاء بالاحتفال بالمكاسب الحالية دون تحويلها إلى مسار مستدام. هذا الجيل يشكل قاعدة البناء للأجيال القادمة، وأي تراجع في دعمه أو غياب للتخطيط بعيد المدى سيعني التفريط بفرصة تاريخية نادرة قد لا تتكرر.
من هنا، تبرز الحاجة إلى دعم حكومي مؤسسي ومستدام، يتجاوز منطق ردود الفعل الموسمية، ويتجه نحو إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الكروية بما يتوافق مع متطلبات الاحتراف الحديث. ويعد تحويل الأندية إلى شركات تعمل وفق أسس اقتصادية واضحة وحوكمة رشيدة أحد المفاتيح الجوهرية لهذا التحول، لأن الاستدامة المالية تمثل الأساس لأي مشروع تطوير جاد.
وعندما تمتلك الأندية سيولة حقيقية وإدارة احترافية، يصبح بالإمكان الحديث عن عقود عادلة، وبرامج تأهيل متقدمة، واستقرار نفسي وفني للاعبين. عندها يتحول احتراف اللاعب الأردني خارجيا إلى خطوة نوعية مدروسة نحو أندية ذات مستوى عال، لا إلى تجارب قصيرة العمر تفتقر إلى التخطيط والدعم.
كما أن استمرار التطور يظل مرهونا بمعالجة جادة لملف البنية التحتية، من خلال توفير ملاعب حديثة قادرة على استضافة المباريات الدولية وفق أعلى المعايير، إلى جانب مرافق تدريب تقلل من الإصابات وتحمي مستقبل اللاعبين. فالتقدم الرياضي لا يمكن أن يستقيم دون بيئة تنافسية توازي حجم الطموح الذي وصلت إليه الكرة الأردنية.
ويظل الاتحاد الأردني لكرة القدم حجر الزاوية في إدارة هذا المسار، إذ مثل خلال المرحلة الماضية الإطار المؤسسي الذي ترجمت من خلاله الرؤية والدعم إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. وقد جاء ما تحقق من إنجازات ثمرة عمل تراكمي قائم على التخطيط والتنظيم والاستقرار الإداري. ولا يمكن إغفال الدور الذي قامت به سمر نصار وفريقها، من خلال إدارة الملفات الفنية والإدارية بعقلية مؤسسية، والعمل وفق رؤية طويلة الأمد أسهمت في تحسين بيئة العمل الرياضي وتهيئة الظروف التي سمحت لهذا الجيل بتحقيق إنجازات تاريخية.

الإنجاز الحقيقي اليوم يقاس بقدرة الدولة على تحويل هذا النجاح إلى مشروع وطني مستدام، قائم على قرارات واضحة ودعم ملموس للأندية والاتحاد واللاعبين. نحن أمام لحظة مفصلية: إما أن نحسن استثمارها ونبني عليها، أو نتركها تتآكل مع الوقت. الكرة اليوم ليست في أقدام اللاعبين، بل في ملعب القرار



عدد المشاهدات : (4240)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :