المنتخب والهوية الوطنية .. نموذجاً


رم - محمد أبو رمان

أيّاً كانت نتيجة مباراة غدٍ الخميس مع منتخب المغرب، في نهائي كأس العرب، فإنّ ما شهدناه من انتعاش في الروح الوطنية لدى الشارع الأردني بإنجازات وأداء منتخبنا الوطني بمثابة مؤشر واضح وجلي لأصحاب القرار والشأن على أهمية الجوانب الثقافية والرياضية في تعزيز الهوية والوحدة الوطنية وخلق حالة معنوية عالية لدى الشارع في مقابل المشكلات الاقتصادية والمالية التي تواجهها شريحة اجتماعية واسعة.

في الحقيقة الهوية الوطنية لا تبنى فقط بالكلام الإنشائي ولا الشعارات ولا السجالات السياسية التي أحياناً ما يكون تأثيرها سلبياً وليس إيجابياً على مشاعر الوحدة الوطنية؛ إنما الوحدة تبنى من خلال الرواية التاريخية الجامعة، ومن خلال الثقافة والأغنية والمسرح والمنتخبات الوطنية التي تمثّل بالنسبة للمواطنين مصدراً للفرح والفخر، من خلال الشركات الاقتصادية الناجحة التي تكون قادرة على توفير فرص عمل وتوريد ضرائب للدولة، الهوية الوطنية تتعزز بالقوة الناعمة للدولة وبوجود «الخير العام» المشترك، المنافع التي تعمّ على الجميع ويستفيد منها الجميع..

ما أودّ الإشارة إليه هنا هو الأهمية المتزايدة التي تحظى بها نظريات المشاعر السياسية اليوم في دراسات السياسة وحتى الاقتصاد (بالمناسبة أول من كتب عن ذلك كان الفيلسوف الليبرالي المعروف آدم سميث في كتاب كامل عن المشاعر)، وفي ذلك ردّ على نظريات الخيار العقلاني التي سادت خلال العقود السابقة، فالعواطف والمشاعر والفضائل الاجتماعية مثل الثقة والحب هي مما يحرّك المواطنين ويؤثر على قراراتهم واتجاهاتهم وهي بذات الأهمية، كذلك الأمر، بالنسبة للمشروعات الاقتصادية أو السياسية التي تقوم بها الحكومات.

من الكتب المميزة والمهمة في هذا المجال كتاب مارثا نوسباوم «المشاعر السياسية: لماذا الحب مهم لتحقيق العدالة»، وكتاب فرانسيس فوكوياما «الثقة: الفضائل الاجتماعية وصناعة الازدهار» وكلا الكتابين يتناولان الجوانب التي غالباً ما تكون مغفلة في حسابات السياسيين واهتماماتهم وفي تحليل السياسات العامة والوطنية، لكنهما يقدّمان أمثلة وأفكار على درجة كبيرة من الأهمية تدفع إلى ضرورة مراجعة عملية إدارة السياسات والأولويات والتفكير في مصادر القوة الداخلية والوطنية.

خلاصة الأمر هو أنّه من الضروري اليوم أن تقوم الحكومات بمراجعة عميقة لأهمية الجوانب والأنشطة الرياضية والثقافية والفنية وأن تمنحها درجة أكبر من الموارد والاهتمام، فهي لا تقل أهمية عن البنى التحتية، بل تزيد عليها كثيراً، وهي – أي العواطف والمشاعر ورأس المال الاجتماعي- بمثابة القوة الناعمة، لكن على الصعيد الداخلي، في الدولة نفسها وعلاقتها بالمجتمع، وهي البديل عن الخطابات الإقصائية والأفكار المأزومة التي تسود وتهيمن في أوقات معينة على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالعودة إلى موضوع المنتخب الوطني ما نأمله ألا يكون هذا الجيل الجميل من اللاعبين بمثابة طفرة ولحظة عابرة، بل أن يكون وصول المنتخب إلى كأس العالم مرحلة جديدة لها ما بعدها، وللوصول إلى ذلك فإنّه من الضروري مراجعة مجمل السياسات والأنظمة والفلسفة التي تحكم الملف الرياضي بصورة عامة، فهنالك قصور كبير في الموارد الرياضية وفي البنية التحتية وفي استدامة هذه البنية التحتية وفي المناهج الدراسية وأهمية الرياضة والفن ومفاهيم الخدمة المجتمعية في مناهجنا من مرحلة مبكرة، وما تزال حالة الملاعب عموماً كارثية ولدينا مشكلات حقيقية في الرعاية والاهتمام والاستدامة.

خصص رئيس الوزراء د. جعفر حسّان، هذا العام مبلغاً معتبراً لتجديد المدينة الرياضية، وهي خطوة على الطريق الصحيح، وقام أيضاً بافتتاح مركز جرش الثقافي، وهي خطوات مهمة، وتظهر الحكومة الحالية اهتماماً ملحوظاً بالفن والرياضة والبنية التحتية المتعلقة بهما، لكن ما هو مطلوب أكثر من ذلك ليس من الحكومة فقط بل من المسؤولين والمعنيين وأصحاب الشأن، فالمطلوب خطط وطنية واضحة لتطوير استراتيجيات الأندية الرياضية والجمعيات الثقافية وتعزيز دور المجتمعات المحلية وبناء سياسات جديدة للنهوض بالمجالات الثقافية والفنية والرياضية.



عدد المشاهدات : (4121)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :