*بقلمِ: الدكتورة ميس حياصات*
يُعد التاسع من ديسمبر مناسبة تتجدد فيها الدعوة العالمية لمكافحة الفساد، وهو التاريخ الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2003 بالتزامن مع اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي الوثيقة الدولية الأشمل التي جمعت دول العالم حول إطار موحد لمواجهة هذه الظاهرة وقد دخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ عام 2005، لتصبح مرجعاً أساسياً في رسم السياسات والتشريعات التي تعزز الشفافية وتحد من إساءة استخدام السلطة.
يمثل هذا اليوم فرصة للتوقف أمام حجم الأثر الذي يتركه الفساد في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فالفساد لا يقتصر على الرشوة أو الاختلاس، بل يشمل منظومة واسعة من الممارسات التي تُضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، وتعيق التنمية، وتستنزف الموارد العامة التي كان من الممكن أن تنعكس على الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية وما لم تتكاتف الجهود لمعالجة هذه الظاهرة، سيبقى الفساد عقبة كبرى أمام تحقيق أي نهضة حقيقية.
إن مكافحة الفساد ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي مسؤولية مشتركة تبدأ من الفرد وتنتهي بالمؤسسات الكبرى فالنزاهة ثقافة تُبنى بالتربية والوعي والممارسة، قبل أن تكون قوانين جامدة أو إجراءات رسمية ولهذا تحرص الأمم المتحدة كل عام على توجيه رسائل تركز على تعزيز هذه الثقافة، سواء لدى الموظفين العموميين أو لدى الشباب، لما لهم من دور محوري في صياغة مستقبل أكثر شفافية وعدلاً.
وتشكل هذه المناسبة أيضاً مساحة لتقييم الجهود الوطنية والدولية في مواجهة الفساد، والوقوف على التحديات التي ما تزال تعيق تحقيق التقدم، من ضعف أنظمة الرقابة، إلى غياب الحماية الكافية للمبلّغين، وصولاً إلى الحاجة لتعزيز استقلالية القضاء ولأن الفساد ظاهرة عالمية، فإن التعاون الدولي يبقى محورياً في تبادل الخبرات وملاحقة الجرائم العابرة للحدود التي تُسهم في اتساع دائرة الفساد وتعقيدها.
وفي النهاية، تبقى مكافحة الفساد رحلة طويلة تتطلب إرادة صادقة، وتشريعات فعّالة، ومجتمعاً واعياً يؤمن بأن النزاهة ليست خياراً ثانوياً، بل هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارات فبقدر ما نتصدى للفساد ونحاصر آثاره، نُمهّد الطريق لبناء مجتمع يسوده العدل ويزدهر بالنزاهة والثقة.
|
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
| الاسم : | |
| البريد الالكتروني : | |
| التعليق : | |