رم - د.سامي علي العموش
الكل يعرف حجم الإيرادات والنفقات والالتزامات في الموازنة الأردنية حيث تتشكل من نفقات ثابتة تتمثل في الرواتب والفوائد المستحقة والالتزامات التي تعهدت بها الحكومة. أما النفقات الرأسمالية فهي لا تشكل جزءًا كبيرًا من الموازنة نظرًا للالتزامات وضعف الإيرادات المتكونة والعائدة من المشاريع. وبناءً عليه، علينا ألا نحملها أكثر من اللازم، وخصوصًا أننا خرجنا للتو من وضع لا نحسد عليه، وهي الالتزامات تجاه غزة وما صاحبها من ظروف. ومن يضرب بالرمل يجد بأنني أتكلم بواقعية لا بتكوين شعبويات والتزامات قد تحيي المشاعر في القريب العاجل، ولكنها سرعان ما تصطدم بالواقع. وكنت أسأل نفسي بأن هناك الكثير من النواب حمّلوا الموازنة وتحاملوا عليها ووعدوا بعلاجات سحرية، منها زيادة الرواتب والمشاريع. وهناك من وعد ثم أخلف لأن المنظار لم يكن بمسؤولية. فكيف لك أن تطلب من الحكومة ضبط الإنفاقات وزيادة الرواتب وعليها أن تخفف من الاستدانة، سواء منها الداخلية أو الخارجية، وأنت تعلم كما يعلم الجميع بأن أي دينار زيادة سيكون على حساب الاقتراض والعودة إلى النفق المظلم؟ وهنا يحصل التناقض بأننا نتحدث عن زيادة الرواتب وكأننا نعيش في دولة نفطية ونطلب ونطلب، وتجد بأن هناك بعض السادة النواب طرحوا المشاريع الكثيرة، فإن كان أمنيات فمن حقه، أما إن أراد التنفيذ فهناك واقع، والمستحقات تفرض على صانع القرار التوقف والفرملة قبل الحديث عن الزيادات، وهذا ما كان، حيث إن دولة الرئيس وعد بأن يكون لهذا الموضوع شأن في السنوات القادمة، وهذا من قبيل تخفيف الزخم، لكن واقع الحال لا يحتمل أي مزايدات.
وهنا ما يحدث هو تناقض؛ فالنائب يريد أن يرضي القاعدة الانتخابية ويدغدغ العواطف ليحصل على المزيد من الشعبية، وبنفس الوقت يطالب الحكومة بعدم الاقتراض وزيادة الدين العام التي تنعكس على النفقات الثابتة، والتي تكون الحكومة مجبرة على سداد الديون، بل ودفع فوائد الديون في الأجل القصير. ولكن الأدهى من ذلك، فمن كان يستمع إلى هذه الكلمات النارية والمقابلات الصحفية التي يقسم فيها بعضهم بأن التصويت مرتبط بتحسين الرواتب، ولكنه عند التصويت يجد أن الأمور مختلفة، وهنا يفقد النائب شعبيته والمساحة التي تشكلت، لأن الأساس في العمل هو المصداقية، وبما أنك لا تملك صناعة القرار، فكان الأولى أن تتمهل وترى ما يدور حولك ثم تتخذ القرار.
إنني لا أحسد الحكومة على الظروف التي تعيشها والمتطلبات التي تفرض عليها وكأنها تملك العصا السحرية، ولكني عندما كنت أستمع إلى مطالب النواب جميعهم يطلب وينادي، ولكني لم أرَ لأي منهم حلولاً تُقدَّم لتحسين الوضع، سواء على مستوى المشاريع الرأسمالية أو الحلول الإبداعية، والكل يطالب بالتوظيف وكأنه، من حيث يدري أو لا يدري، يطلب زيادة النفقات الثابتة. ولكن الأصح من ذلك هو التوجه نحو الحكومة ببيان مصادر دخل داخلية أو خارجية تعمل على زيادة النفقات الرأسمالية لتحسين الوضع الاقتصادي وزيادة المشاريع من خلال الضخ في مشاريع كبرى تعمل على زيادة مساحة التشغيل، والاتجاه نحو المؤسسات البنكية بتخفيض نسب الفائدة وزيادة مدة السداد بالتواصل مع البنك المركزي وجمعية البنوك. كل ذلك قد يكون مدخلاً لتحسين الأمور وعودة القوة الشرائية للأسواق؛ أي أنك تزيد من فرص الاستثمار والابتعاد عن الادخار لأنك أوجدت أرضية ثابتة لذلك.