الدولة لا تُقام، ولا تُدار، ولا تزدهر، باجتهادات وأفكار عابرة لرئيس وزراء أو وزراء، مهما حسنت النوايا أو كثرت العناوين.
الدول تُبنى وتُقاس وتُزدهر بخطة وطنية طويلة الأمد، مدروسة بعناية، ثابتة الأهداف، متغيرة الأدوات، تُلزم جميع الحكومات المتعاقبة، ولا تتبدل بتبدل الأشخاص.
الخلل الحقيقي ليس في الأشخاص وحدهم، بل في غياب المسار.
وحين تغيب الخطة، تتحول الدولة إلى سلسلة من القرارات السريعة، والاجتهادات الآنية، وردّات الفعل، التي يُعتقد خطأً أنها حلول، فيما أثبتت التجربة المتكررة أنها طريق مضمون للفشل.
المعيار الوحيد لنجاح أو فشل أي رئيس وزراء، ليس عدد قراراته ولا كثافة ظهوره الإعلامي، بل مدى التزامه بالخطة الوطنية، وما أنجزه فعليًا من أهدافها، وما أضافه من تراكم إيجابي على ما سبق.
وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء، فالوزارة ليست ساحة تجارب، ولا مختبر قرارات متسرعة، بل حلقة تنفيذ ضمن رؤية أشمل.
لقد جرّبنا كثيرًا سياسات العشوائية، والقرارات السريعة، والحلول الوقتية، وكانت النتيجة واحدة… تراجع، إنهاك، وفقدان ثقة.
وما لم ننتقل من منطق “الحكومة تُفكّر وتُقرّر” إلى منطق “الدولة تُخطّط والحكومة تُنفّذ”، سنبقى ندور في الحلقة ذاتها.
الحل الحقيقي يبدأ من مطبخ وطني للتخطيط، لا يخضع لتبدل الحكومات، ولا لتوازنات اللحظة، ولا للاعتبارات الشخصية.
مطبخ يضم أهل الخبرة والمعرفة والعلم والثقافة والانتماء الحقيقي، يضع الاستراتيجيات الكبرى للدولة، ويحدّد الأولويات، ويقيس الأداء، ويُحاسب على النتائج.
على الحكومة أن تُنفّذ، لا أن تُجرّب.
وعلى الدولة أن تُخطّط، لا أن تُراهن.
فالدول القوية لا تُبنى بالصدفة، ولا بالارتجال، بل بالعقل، والتخطيط، والاستمرارية.
د. طارق سامي خوري
|
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
| الاسم : | |
| البريد الالكتروني : | |
| التعليق : | |