أسد مدرسة السلط .. ذكرى خالدة وشمس لا تغيب


رم - خاص

في تاريخ ١٢-١٢ من كل عام تنحني أشجار مدينة السلط وتذبل زهورها، وترسم لبنات بيوتها العتيقة صورة الراحل "الفقيدة" والرجل صاحب السيرة الخالدة الأستاذ منصور الداوود الذي في ذكرى رحيله الخامسة والخمسون، ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد مربي أجيال، بل كان أحد أعمدة المدينة وضميرها الاجتماعي، وواحداً من الرجال الذين تركوا أثراً لا يُمحى في تاريخ السلط وتعليمها وحياتها العامة.

كان منصور الداوود مدرسة داخل المدرسة، معلماً ونائب مدير، شديد الحضور، قوي الشخصية، لا يعرف المجاملة في الحق ولا التردد في ضبط السلوك وتوجيه الشباب، له هيبة لا تُصنع، واحترام لا يُطلب، ولذلك لقبّه أهل السلط بـ “أسد مدرسة السلط”، لأنه لم يكن يمشي في ممراتها إلا كقائد يعرف أين يقف، ومتى يشدد، وكيف يغرس في الطلبة معنى الرجولة والانضباط والاحترام.

لكن قوة الاستاذ منصور لم تكن قسوة، وصلابته لم تكن غلظة. فمن عرفه خارج أسوار المدرسة، عرف رجلاً اجتماعياً، إصلاحياً، صاحب قلب كبير وقدرة واسعة على فعل الخير، كان باب بيته مفتوحاً لكل محتاج، وصوته مسموعاً في كل إصلاح، ويده ممدودة لكل من ضاقت به الحال، لم يرفع صوته يوماً على سائل، ولم يخيب أملاً، وكان كما يقول أهل السلط مقتدراً في الخير، سخياً في الواجب، سريعاً إلى الفزعة.

وفي زمن كانت السلط تُخرّج رجال الدولة وقادتها، كان منصور الداوود واحداً ممن صنعوا هذا الجيل، وحرصوا على أن تبقى المدرسة منبراً للرجولة قبل أن تكون صفوفاً للكتب.

وإرثه لم يتوقف برحيله المفاجئ عام 1970. فقد حمل أبناؤه خالد الداوود وجمال الداوود الراية بوفاء نادر، فحافظوا على سمعة والدهم وسيرته، وخلّدوا ذكراه بالفعل قبل الكلام، فاليوم تحمل إحدى أهم حدائق مدرسة السلط اسمه، ترعاها الأسرة وتُعيد إليها الحياة، كما حمل أحد شوارع المدينة اسمه تكريماً لمسيرته التي لا تزال تُذكر كلما ذُكرت النزاهة والانضباط والكرم.

خمسة وخمسون عاماً، وما زالت السلط إذا تحدثت عن المربين الكبار تذكره أولاً، وإذا تحدثت عن الرجال المصلحين مرت اسمه بينهم، وإذا تحدثت عن الخير قالت: كان منصور من أهله.

فالرجال الكبار لا يغيبون، هم فقط ينتقلون من الذاكرة اليومية إلى الذاكرة الخالدة، رحم الله الأستاذ منصور الداوود، رجل التربية والفزعة، وصوت السلط الصادق الذي لم ينطفئ.



عدد المشاهدات : (4471)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :