رم - بقلم الدكتور -فواز أبو تايه
لم يعد الفلسطينيون يقفون اليوم عند سؤال قدرة السلطة الفلسطينية على الإستمرار بل عند سؤال أعمق هل ما زال وجودها السياسي قادرا على حمل القضية إلى مستقبل يستحقه الشعب لقد تحولت السلطة إلى بنية فقدت معناها وبات وجودها رهن إدارة بيروقراطية بلا مشروع بينما الواقع يفرض معادلات تتجاوزها وتدفن ملامحها القديمة فمنذ سنوات أخذ دور السلطة يتآكل فالحرب الأخيرة على غزة كشفت حجم الهوة بين الشكل السياسي القائم وبين حقيقة الفلسطيني في الميدان فلم يعد هناك أفق لمفاوضات ولا إطار دولي قادر على فرض تسوية ولا قدرة للسلطة على حماية الأرض أو صناعة الحدث هياكل إدارية ما تزال قائمة إلا أن روح المشروع الوطني لم تعد تسكن داخلها بل باتت تتشكل خارجها في الشارع والميدان والوعي الجمعي.
تحولات الإقليم لا ترحم الكيانات الضعيفة فبينما تعيد المنطقة ترتيب أوراقها وتحالفاتها بقيت السلطة أسيرة منطق قديم لم يعد له مكان الشرعية الجديدة التي ولدت من صمود غزة ومن حركة الشارع في الضفة والقدس ووضعت السلطة في موقع العاجز عن اللحاق بإيقاع المرحلة وهكذا لم تعد السلطة طرفا قادرا على التأثير بل أصبحت تتجه نحو نهايتها الطبيعية أن نهاية السلطة السياسية لا تعني نهاية فلسطين بل ربما تعني بدايتها الحقيقية فالمشروع الوطني اليوم يحتاج إلى إعادة تشكيل مركز القرار الفلسطيني في إطار جامع يضم الكل الفلسطيني دون إقصاء إطار يجمع الداخل بالشتات والمقاومة بالسياسة بديل ومشروع جامع يبدأ بإرادة توحيدية صلبة وتجاوز فكرة السلطة نحو مفهوم الكيان الوطني القادر على قيادة الصمود وتنظيم النضال وصياغة الإستراتيجية الكبرى للوصول للدولة ميثاق جديد يعيد ترتيب العلاقة بين الداخل والشتات ويحدد شكل الدولة المنشودة ورؤية الصراع وحدود التوافق الوطني إن فلسطين وهي تتجاوز السلطة لا تسقط نفسها في الفراغ بل تعيد إكتشاف ذاتها والمرحلة القادمة عنوانها واضح لمن يقرأه ولادة مشروع فلسطيني جديد يتأسس على وحدة القرار وقوة الميدان ووعي المستقبل .
التاريخ لا يكتب لمن يتشبث بالماضي بل لمن يملك الشجاعة ليصنع ما بعده وفلسطين اليوم تقف على عتبة هذه الشجاعة تتجاوز السلطة… لتستعيد نفسها فالتاريخ لا ينتظر .