على هامش العدد الأول من مجلة المحكمة الدستورية (12)


رم -
سبقت الإشارة في مقالات هذه السلسلة إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت أواخر العام الماضي العدد الأول من مجلتها، وقد خصصته لما صدر عنها من أحكام وقرارات منذ إنشائها حتى نهاية العام 2024؛ أما الأحكام فهي ما يصدر عن المحكمة عند ممارسة دورها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، وأما القرارات فهي ما يصدر عنها عند ممارسة دورها الآخر وهو تفسير النصوص الدستورية.
وفيما يتعلق بالرقابة على الدستورية فقد جعل المشرع نطاقها القوانين والأنظمة النافذة (المادة 59 من الدستور)، وتطبيقًا من المحكمة للنص الدستوري الصريح يطالعنا العدد الأول من مجلة المحكمة بعدة أحكام نأت المحكمة بنفسها عن صلاحية الرقابة على دستورية القانون أو النظام حينما يكون "غير نافذ"، ومثال ذلك الحكم رقم (1) لسنة 2016؛ فقد جاء فيه: "... وحيث إن الدفع بعدم دستورية النظام ... قد جاء لاحقًا لإلغاء هذا النظام وأن الطعن بالتالي قد انصب على نظام ملغى وتعديلاته، وحيث إن المحكمة ... تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة دون غيرها فإن محكمتنا تكون غير مختصة للنظر في الطعن المقدم في هذه الدعوى بما يتعين معه رده من حيث الشكل".
كما أن هذا العدد يتضمن أحكامًا عدة اتبعت فيها المحكمة النهج نفسه، ففي حكمها رقم (1) لسنة 2022، وحكمها رقم (2) لسنة 2022، وحكمها رقم (4) لسنة 2024 ردت المحكمة - في هذه الحالات- الطعن شكلًا لأن محله نص غير نافذ (ملغى).
وحول هذه المسألة يمكن القول إن النص القانوني قد يلغى، إلا أنه يبقى- رغم ذلك- واجب التطبيق على النزاع الذي حدثت في ظله واقعة أو تصرف معين، فإكمال سن التقاعد على سبيل المثال في تاريخ سريان قانون معين سيجعل ذلك القانون واجب التطبيق على النزاع المتعلق بتلك المسألة حتى لو تم رفع الدعوى بعد نفاذ قانون جديد، وهذا ما يعرف بمبدأ الأثر الفوري للقاعدة القانونية وعدم الرجعية.
إن اشتراط أن يكون التشريع "نافذًا" قد يتعارض مع فلسفة الدفع بعدم الدستورية، فالمشرع حينما أتاح لأطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم دستورية النص واجب التطبيق على النزاع فإنه سعى نحو حماية الأشخاص من تطبيق نص غير دستوري على النزاع، في حين أن قصر نطاق الرقابة على القوانين والأنظمة النافذة يجعل بعض التشريعات بمنأى عن رقابة المحكمة الدستورية عليها؛ فيكون ذلك الشرط بمثابة تحصين لتلك النصوص.
من جهة أخرى فإن اشتراط أن يكون التشريع "نافذًا" قد يؤدي إلى عدم إمكانية مراجعة بعض التشريعات؛ فعلى سبيل المثال فإن قانون الدفاع لا يكون نافذًا إلا عند حدوث حالة طارئة، ويتم الإعلان عن نفاذه من خلال إرادة ملكية بناءً على قرار مجلس الوزراء (المادة 124 من الدستور).
إن تطبيق شرط النفاذ والحالة هذه سيؤدي إلى تعذر الطعن بعدم دستورية قانون الدفاع في الوقت الذي لا يكون فيه نافذ المفعول، ولن يكون بمقدور أي من الجهات الرسمية (مجلس الأعيان، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء) الطعن المباشر بذلك القانون إلا وقت نفاذه، أي خلال الظرف الطارئ، كما لن يكون بمقدور أطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم الدستورية في الدعوى المنظورة بعد إعلان إيقاف العمل بذلك القانون؛ كونه أصبح غير نافذ.
في ضوء ما تقدم، ولضمان تمكين أطراف الدعوى من الاستعانة بالمحكمة الدستورية لحمايتهم من أن يطبق عليهم نص قانوني مخالف للدستور فقد يكون من المناسب تعديل المادتين (59، 60) من الدستور بحيث يزال شرط النفاذ، مما يتيح لأطراف الدعوى إثارة الدفع بعدم دستورية نص واجب التطبيق على النزاع (حتى ولو كان النص ملغى)، والاكتفاء بشرط "الجدية" الموجود في المادة (60) من الدستور.
كما أن إلغاء شرط النفاذ من شأنه أيضًا إتاحة الفرصة للرقابة على دستورية قانون الدفاع في الفترة التي لا يكون نافذًا في غضونها كما سبق بيانه.
تنبغي الإشارة إلى أن هذه السلسلة من المقالات امتدت طوال هذا العام لتسلط الضوء على الإنجاز الذي حققته المحكمة الدستورية منذ إنشائها؛ فكان في عنوانها ما يشير إلى ذلك، فكل ما ورد في مقالات السلسلة- رغم أهميته- يعد "هامشًا" إذا ما قورن بحجم مخرجات المحكمة الدستورية وقيمتها المضافة في نطاق القانون الدستوري.
اليوم، وحيث إن المحكمة الدستورية شارفت على إصدار العدد الثاني من مجلتها فإن هذه السلسلة من المقالات تكون قد وصلت إلى آخر أسطرها.
أسأل الله- جل في علاه- أن يتقبل عملي هذا، ويجعله في ميزان حسنات أبي (أحمد الرحامنه/ أبو بكر) الذي آثر على نفسه للإنفاق على تعليمنا وشحذنا بالعلم والمعرفة وحب الوطن، وقد تكلل ذلك باستشهاد أخي (عمر الخير) دفاعًا عن الوطن في أحداث وادي الأزرق- شباط 2019.
د. محمد أحمد الرحامنه/ الجامعة الأردنية



عدد المشاهدات : (3993)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :