«حين تتقدّم الصلاة على حياة الإنسان… أين الرحمة؟» :


رم - الدكتور نسيم أبو خضير
في بيوتٍ طهّرها الله ورفع شأنها ، يجتمع المؤمنون على كلمةٍ سواء يؤدّون الصلاة خلف إمامٍ واحد ، قلوبهم معلّقة بالله، وأرواحهم تتوق إلى الطمأنينة والسكينة. لكن … يحدث أحيانًا ما يهزّ تلك السكينة: يسقط أحد المصلّين فجأة ، أو يبقى ساجدًا لا يرفع رأسه ، وقد يكون قد تعرّض لإغماء أو لنوبةٍ صحيّة خطيرة أو حتى لوفاة ، بينما يستمر من حوله في أداء الصلاة وكأنّ الأمر لا يعنيهم .
هذه الظاهرة المؤلمة تستحق التوقف أمامها. ليس لأنها تتكرر فحسب ، بل لأنها تكشف أحيانًا عن فهمٍ خاطئ لمعنى الصلاة ، ولحقيقة ما يريده الله من عباده .
حفظ النفس… عبادة مقدّمة على كل عبادة .
إنّ من مقاصد الشريعة الكبرى حفظ النفس ، فلا عبادة تُقدَّم على حياة إنسان يواجه الخطر. فكما قال العلماء : «الضرورات تُبيح المحظورات» ، فكيف إذا كان الأمر ليس محظورًا أصلًا، بل هو واجب ؟!
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا ضرر ولا ضرار»،
ويقول أيضًا :
« من لم يرحم الناس لا يرحمه الله ».
فهل من الرحمة أن نرى أخًا لنا يتألم أو يفقد وعيه أو ربما يفارق الحياة ، ثم نكمل الركوع والسجود كأن شيئًا لم يكن ؟!
الصلاة لها وقت… ولكن حياة الإنسان لا تنتظر
الصلاة لها وقتٌ موسّع ، يستطيع المسلم أن يصليّه ما دام في وقته ، لكن حياة إنسان قد تنتهي في ثوانٍ معدودات .
والقاعدة الفقهية واضحة :
« ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ».
وإنقاذ النفس واجب ، وبالتالي يصبح قطع الصلاة واجبًا إذا كان فيه إنقاذ لحياة مسلم .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قطع خطبته ونزل من على المنبر ليحمل طفلًا يبكي! فكيف لو كان الأمر حياةً تُفارق ؟
الخشوع لا يعني الغياب عن الواقع
إنّ الخشوع الحقيقي ليس انغلاقًا عن الناس ، ولا تعاليًا عن آلامهم ، ولا هروبًا من مسؤولياتنا تجاه بعضنا . الخشوع الحقيقي يحمل الرحمة في قلبه، والإنتباه إلى حاجات الآخرين ، وإستشعار أن كل نفسٍ عند الله لها قيمة عظيمة .
قال تعالى :
{ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }.
فتخيّل أن الله يكتب لك أجر إحياء البشر جميعهم لأنك أسرعت لإنقاذ رجلٍ وقع بجانبك في الصف !
المساجد بيوت رحمة… لا مواطن جمود
المسجد مكان يتجسّد فيه معنى الأخوة ، فإذا غاب هذا المعنى غابت الروح التي لأجلها شرعت الصلاة جماعة .
والمؤمن الذي يمدّ يده لإنقاذ أخيه أعظم أجرًا عند الله من المؤمن الذي يكمل ركوعه وسجوده تاركًا أخاه يصارع الخطر .
رسالة إلى كل مصلٍّ
إذا رأيت في المسجد رجلًا يقع ، أو مصلٍ لا يتحرّك ، أو حالة خطر واضحة :
إقطع صلاتك فورًا . إقترب. ساعد. نادِ على من لديه خبرة . إفتح الطريق . إفعل ما أمكنك .
فالله أرحم بك من أن يحاسبك على صلاة قطعتها لإنقاذ نفس .
بل يكتبها لك أجرًا مضاعفًا ورحمةً وبركةً .



عدد المشاهدات : (3999)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :