مابين الجماعة والدولة فلسفة الخرائط الجديدة


رم - بقلم الدكتور -فواز أبوتايه

منذ عقود ظلت جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أكثر الملفات تعقيدا في المنطقة العربية عاشت بين ثقة المجتمع وقلق الدولة فلم تكن الجماعة مجرد تنظيم سياسي بل نسيجا إجتماعيا إستطاع أن يدخل إلى البيوت والمدارس والجامعات عبر منطق الخدمة والعمل العام لكن على الطرف المقابل تحول وجود الجماعة في دول عربية إلى ملف أمني لا لأسباب داخلية فقط بل نتيجة تراكمات إقليمية دفعت الأنظمة إلى النظر إليها بإعتبارها قوة منظمة قد تنافس أو تعارض أو تغير قواعد اللعبة السياسية إذا تركت بلا سقف ومع ذلك كانت التجربة الأردنية حالة مغايرة شاهدي الملك الحسين بن طلال الذي نجح بالتعامل معها ليس بمنطق الإلغاء بل بمنطق التأطير والإحتواء ضمن هوية الدولة فإعتبر الجماعة قوة إجتماعية معتدلة يمكن الإستفادة منها لا تهديدا يجب قمعه وأدخلها في مشهد سياسي منضبط وأثبتت التجربة الأردنية أنها الأكثر إستقرارا بين دول الإقليم فكان التوافق السياسي عنوان المشهد لعقود طويلة من الزمن .

رؤية الجماعة بعد قرار ترامب بتصنيف الإخوان منظمة إرهابية في مصر والأردن ولبنان لم يكن مجرد خطوة سياسية بل قرارا وضع الجماعة أمام مرحلة جديدة على مستوى الرؤية والموقع والدور خاصة أنها الأكثر قربا من حدود الصراع العربي الإسرائيلي مدركة الجماعة أن المرحلة المقبلة لن تسمح بوجودها بصيغتها القديمة لذا عليها إعادة صياغة خطابها المجتمعي بدل التنظيمي يقابله بأن علينا أن ننظر للجماعة على أنها شريك سياسي لا خصما سياسيا تلك الصورة الإجتماعية التي ظهرت بها الجماعة ودورها التاريخي الإنساني في الخدمة والإغاثة والتعليم والصحة لقد آن للجماعة الإنتقال من مشروع الأمة إلى مشروع الدولة إن الجماعة مضطرة اليوم إلى التخلي—ولو تدريجيا—عن فكرة التنظيم العابر وهذا ليس خيارا فكريا بل قرار بقاء لأن تكريس خطاب المراجعة هو خطاب المدرك فالقبول بمساحات أقل ودراسة تحالفات إجتماعية جديدة طريق الذكي لتقليل الخسائر فالوزن الحقيقي للجماعة لم يكن في خطابها السياسي بل في حضورها بين الناس إن الأمتحان وجودي وليس تنظيمي وسط تغير خرائط المنطقة بأسرع مما تتغير موازين القوى إنه زمن الدول التي تملك سرديتها وتعيد هندسة علاقتها بالداخل والخارج وفق عقل الدولة لا عاطفة الجماهير إن قرار تصنيف الجماعة بأبعاده الإقليمية والدولية ليس إغلاقا للتاريخ بقدر ما هو إعلان عن نهاية مرحلة وبداية أخرى مرحلة يصبح فيها البقاء مرهونا بمدى قدرة القوى الإجتماعية على إعادة تعريف نفسها ضمن عقد وطني لا ضمن مشروعٍ أممي وهنا تتجلى الفلسفة السياسة ولذلك فإن مستقبل الجماعة—في الأردن وفي الإقليم—لن يحدده حجم التعاطف الشعبي بل حجم الوعي وعي بأن السياسة لم تعد ساحة لتكريس الصراع بل مختبر لإنتاج توازن جديد وعي بأن الشرعية تبنى في المجتمع لكنها تحمى في الدولة وعي بأن القوة التي لا تتحول إلى عقل تتحول إلى عبء هكذا يمكن قراءة المرحلة .

ليست المعركة بين دولة وجماعة بل بطريقة إعادة كتابة العقد الإجتماعي وفي هذه اللحظة المفصلية ستكون النجاة للأكثر فهما لطبيعة الزمن -والزمن اليوم ينتصر للسياسة التي تؤسس ولا تهدم وتدمج ولا تستبعد وتعتبر المجتمع مصدر قوتها والدولة إطار بقائها مؤكدا رفضي لأي هجوم على تلك الجماعة التي كانت عناوينها عنوانين خير ورافعة وطنية في شتى مناحي الحياة .
عتبة التحول ووعي اللحظة هي ممر الواعي لمرحلة العبور.



عدد المشاهدات : (4052)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :