الاستاذ الدكتور علي النحلة حياصات
الإسلام السياسي في الأردن يدخل مرحلة ما بعد الخطاب، حيث لم يعد الشعار يكفي للبقاء، ولا الحذر كافياً للحماية . تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة لن يكون مجرد قرار سياسي عابر، بل بداية مرحلة جديدة من إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة العربية والإسلام السياسي. وفي الأردن تحديدًا، حيث ظلّت العلاقة بين الدولة والجماعة متوترة ومتقلّبة طوال العقود الثلاثة الماضية، فإن هذا القرار سيضع الطرفين ايضا أمام لحظة اختبار حقيقية.
الأردن لن يستطيع تجاهل القرار الأمريكي، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع الذهاب إلى قطيعة كاملة مع الجماعة التي ما تزال تملك جذورًا اجتماعية واسعة. لذلك اعتقد ان المشهد القادم سيتجه نحو توازن حذر ، تضييق محسوب من الدولة، وتراجع منضبط من الجماعة، دون صدام مباشر، لكن مع انكماش واضح في حضورها السياسي.
أما نواب حزب جبهة العمل الإسلامي في البرلمان، فسيجدون أنفسهم أمام معادلة معقدة. من جهة، سيواجهون واقعًا رسميًا يحدّ من نفوذهم السياسي، ويضيق على أي محاولة للتأثيرعلى التشريع أو المسار العام، بما يجعل كل خطوة لهم تحت المجهر. ومن جهة أخرى، الرأي العام الأردني لن يكون موحدًا في موقفه تجاه الجماعة، فبين جمهور يرى في الإخوان رمزًا للإصلاح الاجتماعي والديني المعتدل وبين آخر متأثر بالسردية الدولية التي تربط الإسلام السياسي بالتهديدات الارهابية، سيجد النواب مساحة جزئية للتعاطف الشعبي. هذا التعاطف قد يمنحهم هامشًا محدودًا لإبراز دورهم البرلماني والخدماتي، لكنه سيظل مرتبطًا بقدرتهم على الموازنة بين الدفاع عن شرعيتهم الشعبية والامتناع عن أي مواجهة مباشرة مع الدولة، ما يجعل كل خطوة في البرلمان اختبارًا دقيقًا لحدود النفوذ ولبقاء الجماعة في المشهد السياسي الأردني.
التصنيف الأمريكي سيغيّر صورة الجماعة في الوعي الأردني. فالإخوان الذين قدّموا أنفسهم لعقود كقوة إصلاحية وطنية، سيواجهون الآن سردية دولية تعتبرهم خطرًا على الاستقرار، وهو ما سيضعف قدرتهم على مخاطبة الجيل الجديد، الأكثر تأثرًا بالخطاب العالمي.
وما سيجري في الأردن لن ينفصل عن المشهد الإقليمي، إذ سوف تتعامل معظم الأنظمة السياسية بعد القرار الامريكي مع الإسلام السياسي كملف أمني لا سياسي، الأمر الذي يضع الجماعة أمام اختبار بقاء أكثر من كونه اختبار نفوذ. فالمعركة لم تعد على حضور في البرلمان أو الشارع، بل على شرعية الوجود نفسه في فضاء سياسي يعيد تعريف حدوده باستمرار.
المستقبل القريب لن يشهد مواجهة، بل تآكلًا بطيئًا في نفوذ الجماعة، يعقبه تحوّل تدريجي نحو العمل الأهلي والاجتماعي بدل السياسي. ومع مرور الوقت، سيتحوّل الإسلام السياسي في الاردن وغيره من الدول العربية والاسلامية من لاعب مؤثر إلى ”صوت مراقب“، يكتفي بالمشاركة الرمزية في الحياة العامة.
وهكذا، لن يكون القرار الأمريكي مجرد إجراء خارجي، بل لحظة فاصلة في علاقة الدولة الأردنية بجماعة الإخوان. فالعلاقة التي ظلت تقوم على الحذر والاحترام المتبادل ستدخل مرحلة جديدة عنوانها الوجود المشروط لا النفوذ المريح، حيث تبقى الجماعة داخل المشهد ولكن تحت عين الدولة لا في قلبه.
سيصبح الفعل السياسي للإخوان أكثر حذرًا، وخطابهم أكثر براغماتية، فيما تفرض الدولة منطقها باعتبارها الضامن الوحيد للاستقرار. وفي ظل هذا التوازن الدقيق، سيتراجع وهج الأيديولوجيا أمام واقعية الدولة، وسينتقل الإسلام السياسي الأردني من مرحلة التأثيرإلى مرحلة التأقلم، في زمن لم يعد يقيس الشرعية بالشعار، بل بالقدرة على البقاء داخل قواعد اللعبة لا خارجها.
|
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
| الاسم : | |
| البريد الالكتروني : | |
| التعليق : | |