خان شمال


رم - بقلم: د. ذوقان عبيدات

في ربوة من روابي قرية حكما، يبرز مِعمار تراثي عريق يُدعى
خان شمال! وهذه التسمية كما علمت ليست مرتبطة بالجهات الجغرافية الأربع، بل بالجهة "الخامسة"، وهي الجهة غير المتوقعة دائمًا؛ ربما كان الاسم "شمالًا"، وربما كانت شمال القرية نفسها. المهم أن المكان يضم كنزًا تراثيّا يعيدك رغمًا عنك إلى التاريخ، وناس زمان، وتقاليد وعادات زمان! تدخل من"خوّيخة" تجبرك على الانحناء القسري ربما احترامًا لعظمة المكان، حيث يستقبلك "شاب" أو أكبر من ذلك بقليل! هذا الشاب هو المهندس منذر بطاينة صاحب فكرة خان شمال ومنفّذها ومموّلها.

(١)

التراث حيّ لا يموت
عادة ما يحلو لبعض المهتمين استخدام مصطلح"إحياء التراث "
وهذا المصطلح كاد يكلفني الرسوب في مساق جامعي!
بدأت الحديث في امتحان شفوي بعد الماجستير بقولي:
يجب إحياء التراث! قاطعني
البروفسور قائلًا: أول القصيدة كفر!! ثم صرخ: التراث كائن حي ينمو ولا يموت! قد يتذمر، وقد يتفتت، ولكنه يبقى خالدًا ينبض بالحيوية والأثر!
تعلمت الدرس، وحين دخلت "الخُوّيخة" سمعت أصواتًا، وحوارات وأغانيَ تصدر عن هيبة المكان وعظمته!

(٢)
ماذا حدثتني هيبة الخان؟

يمكن لواحد مثلي، أن ينصت لحوارات متعددة بين الزائر والحجارة! يمكنك سماع الحوار بين الإزميل والحجر! بين العامل والحجر! بين العامل وزملائه!
يمكنك سماع أغاني العمال، وهم يرفعون الحجارة! بل يمكنك أن تغني معهم، وتشرب الشاي معهم في استراحة قصيرة أو قيلولة لهم.
فالخان بذاته أغنية، ألحانها، وكلماتها، وأدواتها، ومطربها كلهم من حجارة سود تحدرت من زلزال! وربما كان الخان معزوفة، أو سيمفونية نوتاتها من الحجارة!

(٣)
العمارة والثقافة!
في مداخلة قصيرة لي في الأمسية، طُلب منى التحدث في العلاقة بين الثقافة والعمارة، فقلت:
كما تشكل الجغرافيا سلوك الإنسان، وتحدد له حاجاته الأساسية للحياة، وتكسبه ثقافة وفق تلك الجغرافيا، فإن تلك الثقافة تفرض نفسها على سلوكيات الإنسان، ويعيد تشكيل
متطلبات حياته وفق ثقافته!
ولعل من أبرز هذه التأثيرات ما يرتبط بسكنه، وتفاصيل منزله! فالثقافة والقيم تضع شروطًا لكل تفاصيل الحياة!
في مرحلة ما قبل الإسلام ، لم تكن القيم الثقافية تمنع وجود"بلكونات" أو "شُرفات" تطل على الفضاء! فمن حق أهل البيت، وخاصة نساءها أن يطللن على الفضاء!
وفي العصر الأموي، انفتحت الثقافة بما يسمح لأهل البيت للجلوس في فناء داخلي واسع، لكنه محاط بالجدران في كل ناحية!
وفي مصر، اتخذ المعمار ثقافة تحجب النساء عن الخارج بوضع"مشربيات" تسمح بقليل من الضوء من الخارج، كما تسمح بقليل من الرؤيا من الداخل للخارج!
في دراسة قديمة حول ما يريده العربي من مواصفات منزله، أعرب الرجال عن الحاجة إلى فصل أماكن النساء عن الرجال، فيما لم تهتم النساء بذلك! وعبرت النساء عن أهمية وجود شُرُفات للمنزل الأمر الذي لم يهتم به الرجال!!
وهكذا يتضح أثر الثقافة على العمارة!!

(٤)
خان شمال
تحفة معمارية تراثية، استندت إلى دراسات اجتماعية منظمة. شملت في داخلها أركانًا ثقافية بأسماء مبدعين أمثلتهم: عرار، ونايف أبو عبيد. فأي قيم أعلى من هذه القيم؟!
كان دولة الروابدة-ذو العمق التراثي الممتد في جغرافية الأردن وتاريخها حاضرًا، حيث قدّم سيفًا
ثمينًا يُضاف إلى محتويات الخان العريق!.
ماذا لو كرمنا صاحب هذا الإنجاز!!
فهمت عليّ؟!



عدد المشاهدات : (4357)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :