رم - د.مارسيل جوينات
في ظل التحولات الديمقراطية المتسارعة، باتت العلاقة بين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني واحدة من القضايا المحورية التي تحدد مستقبل الممارسة السياسية في العالم العربي. فبينما تبحث الأحزاب عن استعادة ثقة الشارع وإعادة تعريف دورها في المشهد العام، تسعى منظمات المجتمع المدني إلى توسيع فضاءات المشاركة وتكريس ثقافة المواطنة الفاعلة.
غير أن اللقاء بين الطرفين ظل في كثير من الأحيان متعثرًا، بسبب تباين الأدوار وتعدد الرهانات، مما يجعل من بناء شراكات متوازنة بينهما خطوة استراتيجية لإعادة الحيوية إلى الفضاء العام.
تتأسس الأحزاب السياسية على فكرة الوصول إلى السلطة عبر التنافس الانتخابي، بينما تنطلق منظمات المجتمع المدني من منطق المشاركة والمرافعة من خارج المؤسسات الرسمية. ورغم اختلاف المنطلقات، فإن الطرفين يشتركان في هدف واحد هو تحقيق التنمية والدفاع عن المصلحة العامة.
هذا التقاطع في الأدوار يخلق أرضية خصبة للشراكة: فالأحزاب تحتاج إلى نبض الشارع الذي تمتلكه الجمعيات والمنظمات، والمجتمع المدني يحتاج بدوره إلى قنوات التأثير داخل المؤسسات المنتخبة التي تمثلها الأحزاب. إنّ تحويل هذا التقاطع إلى تكامل فعلي يمكن أن يُعيد الثقة إلى الحياة السياسية ويمنحها عمقًا اجتماعيًا طال انتظاره.
تشير تجارب عديدة إلى أن انفتاح الأحزاب على منظمات المجتمع المدني يسهم في تحسين جودة السياسات العمومية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية. فعندما تستعين الأحزاب بخبرة الجمعيات في القضايا الميدانية – كالتنمية المحلية، أو مكافحة الفقر، أو قضايا البيئة والمرأة – فإنها تُثري برامجها الانتخابية وتقرّبها من احتياجات المواطنين الفعلية.
وفي المقابل، تُتيح هذه الشراكات للمجتمع المدني مساحة للتأثير في صناعة القرار، ومتابعة تنفيذ الالتزامات الحكومية والانتخابية، مما يُكرّس مبدأ الرقابة المجتمعية ويحدّ من الفجوة بين الحاكم والمحكوم.
لكن الطريق نحو هذه الشراكة ليس مفروشًا بالورود. فضعف ثقافة الحوار بين الأحزاب والجمعيات، والخلفيات الإيديولوجية المتباينة والبرامج ، إضافة إلى غياب أطر تنظيمية واضحة للتعاون، كلها عوامل تجعل العلاقة بين الطرفين هشة ومتقطعة.
كما أن بعض الأحزاب ما تزال تتوجس من استقلالية منظمات المجتمع المدني، فيما تُتهم بعض الجمعيات بالتحول إلى أدوات لخدمة أجندات سياسية، ما يُفقدها المصداقية لدى الرأي العام.
يتطلب تجاوز هذه التحديات إعادة صياغة العلاقة بين الأحزاب والمجتمع المدني على أساس التكامل لا التبعية.
فمن الضروري وضع آليات مؤسسية للتشاور المنتظم بين الطرفين، وإطلاق مبادرات مشتركة في مجالات التنمية المحلية، وتمكين الفئات الهشة، وتعزيز المشاركة السياسية للشباب والنساء. كما يُمكن للهيئات التشريعية والحكومات أن يكون لها دورًا محفزًا عبر تشجيع برامج الشراكة والمرافعة المشتركة، وتمويل المشاريع التي تجمع بين البعدين السياسي والمدني.
في نهاية المطاف، لا يمكن لأي مشروع ديمقراطي أن ينجح دون تلاقي القوى السياسية مع الفاعلين المدنيين في مشروع وطني جامع. فالتعددية لا تُقاس بعدد الأحزاب أو الجمعيات، بل بقدرتها على التعاون والتكامل في خدمة المواطن والوطن.
إنّ بناء شراكات حقيقية بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ليس خيارًا تكميليًا، بل ضرورة لبناء ديمقراطية ناضجة تقوم على الحوار والمشاركة والثقة المتبادلة