رم - تشكل الواسطة والمحسوبية والفساد، بمختلف أشكاله آفة خطيرة تهدد مسار الدولة وتضعف مؤسساتها، وتنعكس آثارها السلبية على ثقة المواطن، وعلى التنمية، و سيادة القانون. فمثل هذه السلوكيات ليست مجرد مخالفات إدارية، بل هي مرض مجتمعي يبدأ صغيراً ثم يتغلغل في مفاصل الإدارات والقطاعات المختلفة، حتى يصبح جزءاً من الثقافة الوظيفية لدى البعض، وهو ما يجعل مكافحته مهمة وطنية كبرى.
الحقائق : نستطيع الوصول الى النتائج المطلوبة، اذا بحثنا في الحقائق التالية :
1. جلالة الملك وفي جميع لقاءاته وتوجيهاته يحذر من هذه الآفة، ويتجلى ذلك بوضوح في الأوراق النقاشية الملكية ، ولجان الإصلاح التي شددت على ضرورة تعزيز الشفافية، وسيادة القانون والمحاسبة.
2. المواطن الذي يجتهد ويعمل بجد ، ثم يرى آخرين يحصدون لمجرد امتلاكهم واسطة أو علاقة ، يشعر بالغبن وعدم العدالة.
3. .ضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ، وهذا يولد شعوراً بالإحباط، من خلال تغول بعض أصحاب السلطة على مؤسسات الدولة، بتوظيف الأقارب والمعارف، واستغلال المواقع العامة لتحقيق مصالح شخصية.
4. بعض المتنفذين يسعون إلى تشويه سمعة كل من يحارب الفساد أو يكشفه، لأن هؤلاء الاشخاص يشكلوا تهديداً مباشراً لمصالحهم ونفوذهم.
الافتراضات في حال غياب بعض الحقائق يمكن ايراد بعض الافتراضات منها:
1. غياب استراتيجية واضحة لتعيين موظفي الدولة: لا توجد منظومة متكاملة تختصّ باختيار الموظفين على أسس الكفاءة، مما يفتح الباب واسعاً أمام الواسطة والمحسوبية.
2. الاستعانة بخبرات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية: هذه المؤسسات تمتلك خبرات عالية في اختيار الموظفين ذوي الكفاءة والانضباط.
التحليل. من خلال ذكر الحقائق والافتراضات اعلاه نستطيع الوصول الى ما يلي:
ــــ ان استشراء الفساد والواسطة والمحسوبية ، هو نتيجة تراكمات تاريخية وثقافية، لكنه أيضاً ناتج عن غياب منظومة رقابة صارمة. فالقطاع العام أصبح بالنسبة للبعض مكاناً للحصول على مكاسب وظيفية واجتماعية لا على أساس الكفاءة، كما أن ضعف أدوات المساءلة جعل بعض الموظفين يشعر بأنه فوق القانون.
ــــ هذا المرض بازدياد كذلك ، لأن بعض الموظفين دخلوا إليه أصلاً من بابه، فيعتبرونه أمراً طبيعياً، ويستمر هذا النمط ليصنع حالة من "الولاء الشخصي" لمن قام بالتعيين.
ــــ من يسعى للإصلاح يجد نفسه محاصراً بحملات تشويه، أو تهميشاً وظيفياً، أو محاربة اجتماعية، من قبل أولئك الذين تضررت مصالحهم.
ــــــ توظيف بعض الموظفين بطرق مخالفة هو بذرة الفساد: من يتم توظيفه بالواسطة يميل عند توليه موقعاً أعلى إلى إعادة إنتاج الأسلوب ذاته، امتناناً لمن عيّنه أولاً، وحرصاً على بناء شبكة ولاءات شخصية.
ــــ تفعيل دور الأحزاب السياسية: عبر إلزامها بإعداد برامج حقيقية ، لتأهيل كوادر قادرة على إدارة مؤسسات الدولة ، بأسلوب مهني بعيد عن العلاقات والمحسوبيات.
من خلال الدراسة يمكن الوصول الى البدائل التالية :
ــــ إنشاء منظومة رقابة وطنية شاملة: تضم ممثلين من القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية، وهيئة النزاهة و مكافحة الفساد، وترتبط مباشرة بوزير الدفاع.
ــــ الاستعانة بخبرات دول نجحت في محاربة الفساد: من خلال اتفاقيات وتعاون مع مؤسسات رقابية عالمية أثبتت كفاءتها.
ــــ استقطاب لجنة رقابة استراتيجية بإدارة شركة أجنبية محايدة: تشرف على متابعة الأداء والشفافية، في كل مؤسسات الدولة، وتكون تابعة لوزارة الدفاع .
من خلال النقاط الواردة في الدرسة نستطيع الوصول الى الاستنتاجات التالية :
ــــ غياب استراتيجية وطنية واضحة للتعيينات يفتح الباب واسعاً للفساد.
ــــ الاختيار غير المؤسسي للموظفين هو الشرارة الأولى التي تؤسس لبيئة فاسدة.
ــــ ضعف الرقابة الداخلية لدى بعض المؤسسات ،وعدم فعاليتها ساهم في توسع هذه الآفة.
ــــ دعم الأفراد والجهات التي تكافح الفساد، بدلاً من التضييق عليها.
يرى الكاتب ضرورة تبني إحدى الآليتين التاليتين لمحاربة هذه الآفة :
ــــ الاستعانة بمنظومة رقابة استراتيجية خارجية ترتبط مباشرة بوزارة الدفاع.
ــــ أو تشكيل لجنة رقابة وطنية من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ترتبط بوزير الدفاع.
وفي النهاية : مكافحة الفساد لا تبدأ من القوانين فقط، بل من الأسرة والمدرسة والجامعة،وذلك عبر تضمين المناهج التعليمية مفاهيم النزاهة، وسيادة القانون، والمواطنة الصالحة، وتعزيز الوعي، من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. إن بناء مجتمع عادل يقوم على المساواة ، يتطلب مشاركة الجميع ، في محاربة أي ممارسة تشكل بيئة خصبة للفساد، صغيراً كان أم كبيراً.وفي الختام، نسأل الله أن يحفظ هذا الوطن بقيادته الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمين، وقواته المسلحة وأجهزته الأمنية، وأن يديم عليه، نعمة الأمن والاستقرار، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
الدكتور مفلح الزيدانين
متخصص في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد البشرية