الوزني يكتب : حكومة تُقيِّم أداءها لتصنع المستقبل: نموذج للتعلُّم


رم - بقلم: أ.د. خالد واصف الوزني


​في زمنٍ باتت فيه حكومات الدول تلتقي لمناقشة تحديات أو مشكلات، وفي الوقت الذي تتغيَّر فيه أولويات الدول وهي تواجه حالة الفوكا VUCA العالمية، أي حالة التقلبات وعدم اليقين والتعقيد والغموض، استنَّت دولة الإمارات منذ العام 2017 الاجتماعات السنوية للحكومة لتقدِّم نموذجًا فريدًا في الحوكمة الرشيدة، وذلك من خلال جعل تلك اللقاءات لغايات تقييم المُنجزات، ومراجعة الأداء، ورسم ملامح وخطط المستقبل بروح الفريق الواحد الذي يؤمن بأنَّ النجاح مسيرة قابلة للقياس، وأنَّ التقدُّم لا يأتي بالصدفة أو الحظ. وفي هذا الإطار، جاءت اجتماعات حكومة دولة الإمارات للعام الحالي لا لطرح المبادرات الجديدة فحسب، ولكن للتركيز على قياس الأثر الحقيقي للسياسات الحكومية في حياة العامة.

التقييم في عُرف الحكومة هنا ذو بعدين، عالمي وذاتي. على المستوى العالمي، تهتم الدولة بكافة المؤشرات العالمية، وتضع نصب أعينها أن تكون على قمة الهرم في كافة المؤشرات العالمية، وتعمل على متابعة ذلك بغية تحقيقه من خلال الخطط المختلفة وصولًا إلى رؤية الدولة الأفضل 2071، مع وضع خطط عشرية تجعل من تحقيق الدولة الأفضل مراحل مقطعية توصل الدولة في كل عشرية إلى المركز الأول في مجموعة من المؤشرات العالمية.

أمّا على مستوى التقييم الذاتي، فإنَّ الحكومة تقوم بتقييم كافة الوزارات والدوائر الحكومية وفق مؤشرات محدَّدة يجب تحقيقها، مع التحفيز وكلمات الثناء كلََّما تمَّ تحقيق النتائج، والمحاسبة والمُساءلة لكلِّ من لا يُحقِّق النتائج على كافة المستويات. بيد أنَّ تطبيق مقاربات التقييم العالمية والذاتية هنا لا تهدف إلى المساءلة البيروقراطية وإنما تستخدمها الحكومة لغايات التحسين والتطوير المستمرين، ولإعادة التوجيه بما يحقِّق الريادة والتميُّز المؤسسي.

الاجتماعات السنوية للحكومة، اجتماعات شمولية يحضرها كافة المسؤولين في المفاصل المختلفة لعمل الدولة، وخاصة ما يتصل بخدمة العامة مباشرة أو بشكل غير مباشر. وفي جوهر هذه الاجتماعات التفكير الاستباقي الذي بات يميِّز المدرسة الإماراتية في إدارة العمل العام.

ويقوم من خلال تحليل وقراءة وتوصيف التحديات المستقبلية، ومن ثمَّ وضع خطط رشيقة تقوم على سرعة الاستجابة للتغيرات، والمرونة في اتخاذ القرار، والاستباقية في التعامل مع قضايا البيئة الاقتصادية والتقنية ومتطلبات سوق العمل. كل ذلك حول عمل الحكومة من ردود الفعل إلى صناعة المستقبل، ومن التنبُّؤ بمفهومه التقليدي إلى الاستشراف بمفهومه الريادي الابتكاري التطويري المُستدام.

النتيجة اليوم باتت واضحة على المستوى العالمي بتسنُّم وحضور دولة الإمارات في المؤشرات الدولية في مجالات مثل كفاءة الحكومة، فهي من أعلى دول العالم والأعلى على مستوى المنطقة، وهي الأعلى عالمياً في مجال انتشار أدوات واستخدامات الذكاء الاصطناعي، كما أنها الأولى على مستوى المنطقة في استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة، حيث استقطبت في العام 2024 ما يقرُب من 46 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية المباشرة، لتكون ضمن العشر الأوائل عالمياً، مستحوذةً على ما نسبته 40% من اجمالي الاستثمارات الوافدة إلى المنطقة، ناهيك عن ما تتربَّع عليه من مركز أول عالميًّا فيما يزيد على 150 مؤشرًا عالميًّا، وضمن العشر الأوائل فيما يزيد على 380 مؤشرًا عالميًّا.

إنها تجربة تشير إلى جودة الإدارة العامة وقدرتها على التكيُّف والتعلُّم المستمر. الاجتماعات السنوية للحكومات قضية تستحق الدراسة والعمل بها، لا لتكون تمرينًا إداريًّا ونقاشًا عامًّا وخلوات لا نتاج منها، وإنما منهج مؤسَّسي يقوم على منطق علمي من التقييم العالمي والذاتي، حيث يكون التقييم بداية مسار التجديد والتحديث والإنجاز. ولعلَّ ما يمكن تعلُّمه من التجربة الإماراتية هو أنَّ النجاح مسيرة نتائج، وأنَّ الريادة ليست هدفًا يتحقَّق لمرة واحدة، بل مسارًا مضطرّدًا دائمًا ليس له خط نهاية ولا خاتمة إنجاز ولا استراحة مقاتل.




عدد المشاهدات : (4221)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :