أصوات المعاصر تصرخ .. لا تقتلوا موسم الزيتون الأردني بقرارٍ اقتصادي عابر


رم - كتب: ليث الفراية

في القرى الممتدة من شمال الأردن إلى جنوبه، تعود الحياة كل خريف مع دويّ المعاصر ورائحة الزيت الطازج التي تعبّر عن موسمٍ له مكانة خاصة في وجدان الأردنيين.

لكن هذا الموسم جاء مختلفًا؛ إنتاج أقل، وتكاليف أعلى، وأحاديث تدور في الأوساط الاقتصادية عن احتمال استيراد زيت الزيتون الجاهز لتغطية النقص في السوق المحلي.

وقد أكد أصحاب المعاصر والمزارعون أن هذه الفكرة، التي تبدو للوهلة الأولى اقتصادية، تحمل في طياتها خطرًا مباشرًا على المنتج الوطني وسمعته، وعلى آلاف الأسر التي تعيش من هذا القطاع سنويًا.

وأشار أصحاب المعاصر إلى أن الحديث عن استيراد الزيت الجاهز يتجاهل القيمة الرمزية لزيت الزيتون الأردني، الذي لا يُقاس بثمنه بل بتاريخه وجودته وارتباطه بهوية الأرض.

وأكدوا أن زيت الزيتون الأردني ليس مجرد مادة غذائية، بل هو ذاكرة وطنية نعتز بها، ونتاج أرضٍ طيبة وسواعدٍ تعمل بضمير ، مشددين على أن فتح الباب لاستيراد الزيت الجاهز يعني شراء منتج رخيص مقابل التفريط بقيمة تعبنا مضيفين أن الزيت الأردني يُعتبر من الأفضل عالميًا من حيث النكهة والنقاء بسبب طبيعة المناخ والتربة، مؤكدين أن أي محاولة لاستبداله بزيت مجهول المصدر ستفقد المستهلك ثقته وتشوّه سمعة المنتج الأردني التي بُنيت عبر عقود .

وأكدوا أن أصحاب المعاصر لا ينظرون إلى موسم الزيتون كموسم إنتاج فقط، بل كمنظومة تشغيل متكاملة تمتد من المزرعة إلى المعصرة إلى المصنع إلى السوق.

وأشاروا إلى أن كل حبة زيتون تُعصر في الأردن تخلق عملًا لعاملٍ أو فنيٍّ أو ناقل أو صاحب ورشة تنك أو مخبر زراعي موضحين أن حين نُعصر الزيتون هنا، تتحرك قرى بأكملها، وتُفتح أبواب الرزق لآلاف العائلات، أما الزيت المستورد فهو مال يخرج من البلد دون أن يترك أثرًا مشددين على أن دعم هذا القطاع ليس ترفًا، بل سياسة تشغيل وطنية تسهم في الحد من البطالة، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على المواسم الزراعية كمصدر دخل رئيسي.

وحذر أصحاب المعاصر من أن الاعتقاد السائد بأن استيراد الزيت الجاهز سيؤدي إلى خفض الأسعار هو اعتقاد غير واقعي موضحين أن “الإجراءات الجمركية والشحن والتخزين تحتاج إلى أسابيع طويلة، ما يعني أن الزيت لن يصل إلا بعد انتهاء ذروة الموسم وارتفاع الأسعار، وبالتالي لن تتحقق أي فائدة حقيقية للمستهلك”.

وأضافوا أن إغراق السوق بالزيت المستورد سيخلق فائضًا في المعروض مستقبلاً، ما يؤدي إلى انهيار الأسعار في المواسم القادمة، ويجعل المزارعين يعزفون عن الزراعة، وهو ما يشكل خطرًا استراتيجيًا على القطاع بأكمله .

وأكد العاملون في القطاع أنهم لا يرفضون فكرة الاستيراد بالمطلق، لكنهم يطرحون البديل المنطق استيراد حب الزيتون الخام لعصره داخل الأردن.

وأوضحوا أن استيراد حب الزيتون يضمن بقاء دورة العمل محليًا، ويُشغّل المعاصر، ويحافظ على الجودة تحت رقابة أردنية صارمة، أما الزيت الجاهز فلا يمكن معرفة مصدره أو مكوناته مشددين على أن هذا الخيار يوازن بين الحاجة لتغطية النقص في الإنتاج وبين حماية الصناعة المحلية، معتبرين أنه “الخيار الوطني الأكثر عقلانية وعدالة”.

وأشار أصحاب المعاصر إلى أن قطاع المعاصر لا يمكن فصله عن التراث الأردني الريفي والاجتماعي، فهو ليس مجرد آلات لعصر الزيت، بل جزء من ذاكرة الناس ومشهدهم الموسمي.

وأوضحوا أن المعصرة تشبه المجلس، فيها يجتمع المزارع والعامل وصاحب الأرض، يتذوقون الزيت الجديد ويتحدثون عن المطر والموسم لافتين إلى إنها جزء من هويتهم واستيراد الزيت الجاهز يعني تجفيف هذا المشهد الشعبي.

وشددوا على أن الحفاظ على عصر الزيتون داخل الأردن هو قرار وطني واستراتيجي لا يقل أهمية عن أي ملف اقتصادي آخر، لأنه يرتبط بقطاعات إنتاجية وتشغيلية وبيئية في الوقت نفسه.

وقالوا إن حين يُعصر الزيتون في الأردن، يبقى المال في البلد، وتُشغّل الأيدي الأردنية، وتُحافظ الدولة على سمعة منتجها مؤكدين أن هذا هو المعنى الحقيقي للاقتصاد الوطني المنتج .

وأكد أصحاب المعاصر في ختام حديثهم أن استيراد الزيت الجاهز لن يكون إلا خسارة مزدوجة خسارة في السمعة وخسارة في فرص العمل مشيرين إلى أن استيراد حب الزيتون لعصره محليًا هو الطريق الأمثل الذي يحمي المنتج الأردني ويضمن استمرارية القطاع وديمومته.



عدد المشاهدات : (4598)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :