رم - نضال المجالي
من السهل أن نتحدث في الترويج للأردن سياحيا في الخارج، وأن نكرر عبارات الجذب المعروفة عن البحر الميت والبتراء ووادي رم والعقبة. لكن الأصعب — وهو الأهم — أن نُقنع الأردني أولا بأن السياحة في وطنه تستحق أن يعيشها قبل أن يسوّقها. فالسياحة ليست مشروع زائر، بل ثقافة مجتمع وسلوك دولة، وهنا تبدأ نقطة التحوّل الحقيقية.
المرحلة الأولى لأي نهضة سياحية لا تكون في الحملات الإعلانية، بل في بناء "سلوك التعايش السياحي" داخل المجتمع الأردني. فالمواطن ليس مجرد متفرج أو عامل في القطاع، بل هو شريك في التجربة السياحية، سائق التاكسي الذي يبتسم، والمزارع الذي يرحب، والطالب الذي يعتز بتاريخ بلده، والتاجر الذي لا يستغل السائح. لذلك، على الهيئة أن تطلق حملة وطنية عنوانها "وطن كل أبنائه سائحون"، تُعيد تعريف السياحة كفعل وطني وسلوك يومي. يمكن أن تبدأ هذه الحملة في المدارس والجامعات ومؤسسات الخدمة العامة، بمسابقات وتجارب عملية ومبادرات تطوعية تجعل الأردني يتعامل مع بلده كضيف دائم، لا كمواطن عابر.
أما الخطوة الثانية، فهي الثورة على البيت الداخلي للهيئة. فالتنشيط لا يمكن أن يصدر من مؤسسات تكرر نفسها وتعيد ذات الأدوات. المطلوب إعادة تشكيل الذهنية قبل الهيكل. هيئة السياحة بحاجة إلى مركز ابتكار سياحي داخلي، يعمل كـ"مختبر أفكار" لتجريب منتجات جديدة، مثل سياحة الإلهام والإبداع "مختبرات الإلهام" في اماكن طبيعية معزولة، أو السياحة الرقمية "ألعاب" أو "تأشيرة لعمال رقميين"، يعملون في الأردن عن بعد لدولهم، أو برامج "التبادل السياحي" بين المحافظات، أو سياحة القرارات والسياسة كمراكز متخصصة للتعليم والتدريب في هذا المجال بمستويات أكاديمية متقدمة، وغيرها لتنتقل لفكر المستقبل المختلف عالميا. كما تحتاج الهيئة إلى هيكل مرن يعتمد على فرق صغيرة مستقلة (task forces) تعمل بأسلوب القطاع الخاص، وفق أهداف واضحة ومؤشرات أداء تقاس شهريا لا سنويا.
المرحلة الثالثة هي مراجعة نموذج مجلس الإدارة، فليس من الضروري أن يكون أعضاؤه جميعا من العاملين في القطاع السياحي. هذا التفكير يخلق دائرة مغلقة من المصالح، تحدّ من الإبداع وتعيد إنتاج نفس الأداء. وكما قال المثل بحق الدوائر المغلقة "كل واحد يدير النار ع قرصه". ولهذا من الحكمة أن يضم المجلس خبراء في الإعلام الرقمي، والاقتصاد السلوكي، وإدارة العلامة الوطنية، وريادة الأعمال، وحتى في الثقافة والفن وهم أساس، لأن السياحة ليست مجرد فنادق ومطعم فاخر ومكاتب سفر، بل هي هوية بلد تُبنى بالعقل والروح.
ولا بد أن يتحول مجلس الإدارة من "مجلس متابعة" إلى "مجلس قيادة استراتيجية"، يضع سياسات جريئة ويمنح الإدارة التنفيذية استقلالية مقاسة بالنتائج. فنجاح الهيئة لا يُقاس بعدد المعارض الخارجية أو الحملات، بل بمدى تحويل الأردن إلى وجهة مرغوبة ومستدامة يعيشها المواطن قبل أن يروّجها للسائح.
باختصار، تنشيط السياحة يبدأ من الإنسان لا من الإعلان، ومن الداخل قبل الخارج، ومن الفكرة قبل الميزانية. الهيئة بانطلاقتها الجديدة التي يفترض أن تقود المرحلة المقبلة تحتاج إلى فكر متمرّد على النمط، مؤمن بأن الأردن لا يُسوّق فقط، بل يُعاد اكتشافه كل يوم من قبل أهله أولاً.
*مفوض السياحة والبيئة السابق في سلطة منطقة العقبة الخاصة