رم - عصام حجاوي
عام 1990، حين تعانقت أولى العدسات مع الروح، وارتفع أول نَفَس للدراما في فيلمٍ حمل الريح الشرقية في عنوانه وروحه، مع المخرج نجدت أنزور في (حكاية شرقية).
ومن تلك اللحظة، لم تكن المسيرة مسيرة إنتاجٍ فقط، بل كانت عبورًا في الزمن، ومشيًا على حافة الضوء، وإيمانًا بأن الفن ليس مهنة، بل قدرٌ من الله، ورسالةٌ تُنجز بالعطاء لا بالادّعاء.
رافقني في الطريق كبارٌ أضاءوا الشاشة بحضورهم، ومخرجون نَسجوا رؤى، وكتّاب خطّوا وجدانًا عربيًا لا يُنسى، ونجومٌ من الأردن وسوريا ومصر والخليج، حملوا معي الحلم خطوة بخطوة، وبصمة ببصمة، وصوتًا بصوت.
كانت الرحلة مواسم من الضوء:
أعمال انطلقت كأمواج، وتجلّت كحكايات عشقت الأرض، ودافعت عن الإنسان، واحترمت الذائقة، وجعلت للدراما هيبة ورسالة.
تجرّبت، تخطّيت، ذهبت إلى البادية، والمدينة، والروح، والتاريخ، والوجدان.
طرقت أبوابًا لا تُفتح إلا للإصرار، ووقفت أمام الريح كثيرًا، لكنني لم أنحنِ… لأن الشغف لا ينحني، ولأن الحلم حين يُكتب بالصدق، لا يموت.
منذ (رحلة صيد) حتى (كرم العلالي)، ومن (البحر أيوب) حتى (جلمود الصحارى)، ومن (نشميات من البادية) حتى (جيل وجيل)، كانت الخطى تزداد ثباتًا، وكانت الحكايات تكبر، وكانت القلوب تصفق قبل المنصات.
وجوهٌ مضيئة… أصواتٌ مخلصة… أكتافٌ حملت معي أثقال الرحلة، ورفاق طريق لا تُذكر المسيرة دونهم.
ولأن الفن لا يقف عند حدّ، ولا يتقاعد عند زمن…
ما زال القلب يطرق أبوابًا جديدة، وما زالت الروح مملوءة بالمحابر، وما زالت الشاشة تتسع لحلمٍ أكبر، ومسيرة أعمق، وإنسانية أوسع.
هذه ليست قائمة أعمال… إنها أرواح رافقتني.
وليست سنواتٍ من الإنتاج… بل أعوامٌ من الحياة.
وليس فخرًا فرديًا… بل شكرٌ لكل من مضى في هذه الرحلة، ولمن يمضي الآن، ولمن سيأتي بعدها.
وما زالت المسيرة تمضي…
ما دام في القلب شغف، وفي الذاكرة حكاية، وفي المدى مكانٌ للنور.
واليوم، أقف على عتبة حلمٍ جديد…
حلمٍ انتظرناه طويلًا، وسعيت إليه بإيمان لا يتزعزع:
أن تعود الدراما الأردنية إلى ألقها، أن تنهض بكامل حضورها، وأن تكون ندًّا قويًا ومنافسًا جديرًا على الساحة العربية؛ لا تقل جودة، ولا تخسر مكانًا، ولا يبهت حضورها.
فأنا أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الفنان الأردني، خلف الكاميرا وأمامها، قادرٌ على الصعود إلى القمة حين تتكامل العزيمة مع الخبرة، ويشتد ساعد الإصرار، وتتّحد الكفاءة مع الحلم.
لقد طال الانتظار، وحان الوقت ليشرق الضوء من جديد.
ومع كل خطوة، يكبر اليقين بأننا مقبلون على مرحلة ذهبية تُعيدنا إلى الصدارة…
فـأسد الله قادم إن شاء الله.
وما زالت المسيرة مستمرة…