رم - د. لينا جميل جزراوي
أصبح من الملاحظ اليوم، وبشكل لا يمكن إنكاره، أن حضور الشباب في الفضاءات العامة والمنتديات والمؤتمرات الفكرية والثقافية بات ضعيفًا، بل ضعيفًا جدًا. هذا الغياب المتكرر يثير تساؤلات مقلقة: لماذا يعزف الشباب عن المشاركة في الفعاليات التي وُجدت أساسًا من أجلهم؟ ولماذا لا يبدون اهتمامًا بالقضايا التي تمسّ حياتهم ومستقبلهم بشكل مباشر؟
هل المشكلة في الشباب أنفسهم، وفي أولوياتهم التي تغيّرت مع التحول الرقمي؟ أم في طبيعة القضايا المطروحة داخل هذه المنتديات؟ أم في طريقة الطرح وأسلوب الحوار الذي لم يعد يجذب عقول الجيل الجديد ولا يلامس لغتهم وواقعهم؟
الكثير من المؤتمرات والمنتديات الفكرية والثقافية تُقام اليوم بهدف رفع الوعي وتحصين العقول، خاصة عقول الشباب، من الزيف والتضليل، ومن الهيمنة الرقمية التي تهدّد قدرتهم على التفكير النقدي. كما تهدف هذه الفعاليات إلى مواجهة الغزو الثقافي الذي يتسلل عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، حاملاً معه أنماطًا جديدة من القيم والمفاهيم البعيدة عن ثقافتنا وهويتنا.
لكن يبدو أن الفجوة بين هذه الأهداف النبيلة وبين واقع الشباب تتسع يومًا بعد يوم. فالكثير من الفعاليات تُدار بلغة تقليدية، وبخطاب لا يواكب إيقاع العصر، ولا يتفاعل مع هموم الجيل الذي يعيش في عالم سريع التبدّل، ينام على تطبيق جديد ويصحو على آخر.
إن عزوف الشباب عن حضور هذه الفعاليات ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل مؤشر خطير على تراجع الوعي الثقافي وغياب التواصل بين الأجيال. وهو جرس إنذار يستدعي من المثقفين وأصحاب الفكر، ومن المؤسسات الثقافية أيضًا، أن يعيدوا النظر في أدواتهم ورسائلهم وطرق تواصلهم مع الشباب.
إننا بحاجة إلى أن نُعيد تعريف الثقافة والفكر بالنسبة إلى الجيل الجديد، وأن نحولها من قاعات مغلقة ومحاضرات جامدة إلى مساحات حية للحوار والنقاش، تعبّر عن أسئلة الشباب الحقيقية، وتستمع إلى أصواتهم، وتمنحهم الشعور بأنهم شركاء في صناعة الوعي لا مجرد متلقين له.
فإذا لم نستطع جذب الشباب إلى هذه الفضاءات، فسنفقد الرابط الذي يصل الفكر بالمستقبل. والنتيجة ستكون جيلاً يعيش في قلب التحول الرقمي، لكنه بلا بوصلة فكرية أو ثقافية ترشده وسط هذا الطوفان من المعلومات والأفكار المتناقضة.
لقد آن الأوان أن نقرع جرس الإنذار بوضوح: لا يمكن أن نبني مستقبلًا مستنيرًا بعقول غائبة عن ساحة الحوار
رئيسة الجمعية الفلسفية الأردنية