القول الملكي الفصل : لا سلام ولا استقرار طالما نتنياهو واليمين في الحكم


رم -
مهدي مبارك عبد الله

لقد اصاب جلالة الملك عبد الله الثاني كبد الحقيقة وصدق حدسه فيما صرح به خلال مقابلته الحصرية مساء الاثنين 27 أكتوبر 2025 مع برنامج بانوراما على محطة الـ BBC حينما وضع إصبعه على جوهر الأزمة مباشرة بقوله إنه ( لا سلام ولا استقرار يمكن أن يتحققا في ظل وجود نتنياهو واليمين المتطرف في الحكم ) لا سيما وانه الأعرف بخبايا السياسة الإسرائيلية وألاعيب نتنياهو كما يعلم جلالة الملك تماما حجم التناقض والفجور السياسي الذي مارسه نتنياهو منذ عقود حيث شهد بنفسه كيف درج نتنياهو على توظيف الخلافات الداخلية وتوزيع الأدوار بين جماعات اليمين الاسرائيلي المتطرفة ليبدو أمام العالم كرجل دولة معتدل بينما هو في الواقع يدير أعتى عصابات التطرف والعنف المنظم والاجرام الموجه في المنطقة

الحديث الملكي الصريح جاء في مرحلة حساسة تزامنت مع تنامي الرفض الشعبي داخل إسرائيل لحكم نتنياهو حيث تخرج التظاهرات أسبوعياً ضد سياساته وتتصاعد الدعوات لمحاكمته بتهم الفساد وإساءة استخدام السلطة فيما تعمل المعارضة الإسرائيلية على استثمار الغضب الشعبي لإفشال محاولته الترشح مجدداً في الانتخابات المقبلة المقررة في عام 2026 وتحشد أطياف الشارع المختلفة لإسقاطه وجره إلى السجن وذلك في مشهد غير مسبوق يعكس عمق الانقسام الداخلي الإسرائيلي وفقدان الثقة بقيادته

في مقابلة جلالته مع محطة بي بي سي أوضح أن الدول التي يطلب منها المشاركة في حفظ الاستقرار بغزة لا يمكن أن تكون طرفاً في فرض سلام زائف وأكد أن أي عملية لحفظ السلام يجب أن تكون داعمة للشرطة الفلسطينية لا بديلاً عنها وهذا التصريح عكس موقفاً مبدئياً عري الخداع الإسرائيلي المتواصل الذي يمارسه نتنياهو وحكوماته المتعاقبة من خلال الترويج لسلام شكلي يخفي وراءه نزعة عدوانية تهدف إلى السيطرة والهيمنة لا إلى المصالحة والتسوية

نتنياهو اصلا ولد ونشأ في بيئة يمينية محافظة تشرب منها فكر السيطرة والتفوق العرقي قبل التحاقه المبكر بحزب الليكود الذي يمثل اليمين الإسرائيلي حيث تدرج في صفوفه حتى أصبح زعيماً له ثم رئيساً للحكومة في فترات متعددة أوّلاً عام 1996 ثم بين 2009 وما بعد كان خلالها الصوت الأبرز في معارضة أي حل سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية كما اعتمد في سياساته على مقولة الأمن ( أولاً والسلام لاحقاً ) ليبرر التوسع الاستيطاني والحروب المتكررة التي شنها على غزة والضفة ولبنان وسوريا والعراق وحتى إيران واليمن

ما قاله جلالة الملك عبد الله الثاني ليس مجرد تصريح إعلامي عابر بل بل قراءة مبنية على مواقف وتصرفات إسرائيلية متكررة عبر عقود جعلت قضايا الأمن والسيادة مرتبطة بمنطق القوة وليس بمنطق الاعتراف المتبادل وهذا ما أضعف فرص التسوية وجعل مبادرات السلام عرضة للتأجيل أو للتجزئة وهو انعكاسٌ لواقعٍ مؤلمٍ في المنطقة وتحذير واضح من تنامي مخاطر بقاء هذا النهج المتطرف في الحكم وهو دعوة صريحة للمجتمع الدولي كي يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية لإنقاذ المنطقة من جنون القوة ومن مشروع الهيمنة الذي يقوده نتنياهو واليمين المتطرف فبوجودهم لا سلام ولا استقرار ولا مستقبل آمن للمنطقة كلها وهذا ما يجعل من فكرة اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستبعد ان لم يكن مستحيل

الحقيقة الراسخة ان نتنياهو لم يكن يوماً مستعداً لتقديم اي تنازل سياسي إذ دأب على إفشال كل المبادرات الدولية والعربية منذ اتفاق أوسلو وحتى خطة ترامب ورفض علناً مبادرات السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت وأجهض كل محاولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مستخدماً القوة والعنف والتلاعب بالتحالفات الإقليمية والدولية لخدمة بقائه السياسي في الحكم كما لم يتردد ايضا في التصعيد العسكري كلما تراجعت شعبيته في الداخل ليعيد خلط الأوراق وإعادة إنتاج صورته كرجل الأمن القوي

بالتوازي وفر اليمين المتطرف الإسرائيلي لنتنياهو قاعدة صلبة للبقاء في المنصب حيث يعتمد كليا على قوى دينية متشددة ترى في الأرض كلها حقاً توراتياً لا يقبل التقسيم ومن أبرز رموز هذا التيار سموتريتش وبن غفير اللذان يمثلان أقصى درجات التطرف والعنصرية ويدعمان سياسات الاستيطان والتهويد والتصعيد المستمر ضد الفلسطينيين وهؤلاء يشكلون اليوم العمود الفقري لحكومته ويضغطون عليه لإفشال أي محاولة للتهدئة أو الانخراط في مفاوضات حقيقية خوفاً من فقدان نفوذهم ومكاسبهم السياسية

تحالف نتنياهو مع هذه الجماعات المتطرفة اوجد حالة خطيرة في المشهد الإسرائيلي إذ أصبحت القرارات المصيرية المتعلقة بالسلام والحرب بيد أشخاص يحملون فكراً عقائدياً إقصائي يؤمن بالعنف وسيلة لتحقيق التفوق الديني والعرقي والقومي كما أن نتنياهو يستغل وجودهم كورقة ضغط على المجتمع الدولي ملوحاً بأن أي بديل له سيكون أكثر تطرفاً ليضمن لنفسه بقاءً أطول رغم فشله المتكرر في إدارة ملفات الأمن والسياسة

إن بقاء نتنياهو في الحكم لا يشكل خطراً على الفلسطينيين فحسب بل على أمن واستقرار المنطقة بأسرها لأنه يكرس منطق القوة على حساب الحوار ويعتمد الخيار العسكري بديلاً عن التفاوض ويسعى لفرض سياسة الأمر الواقع عبر توسيع المستوطنات وتهويد القدس وتغيير معالمها وفرض واقع جغرافي يجعل من إقامة الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً كما أن حكومته لا زالت تمارس أعمال التجسس والاغتيال ضد دول الجوار بما فيها الدول التي وقعت مع إسرائيل معاهدات سلام كالأردن ومصر في تجاوز صريح لكل الأعراف والاتفاقيات المشتركة

لا يمكن في هذا السياق إعفاء الولايات المتحدة والدول الغربية من المسؤولية الكاملة عن استمرار العدوان الإسرائيلي فهذه الدول ما زالت توفر لنتنياهو الغطاء السياسي في مجلس الأمن والدعم العسكري والاقتصادي غير المحدود رغم الجرائم الموثقة المرتكبة يوميا بحق المدنيين في غزة والضفة وبذلك أصبحت شريكاً فعلياً في تعطيل السلام وإدامة الحروب فالسلام لا يمكن أن يتحقق في ظل ازدواجية المعايير ولا في ظل دعم غير مشروط لحكومة ترفض الالتزام بالقانون الدولي وتتنكر لحقوق الإنسان

التجارب المتكررة أثبتت أن استمرار هذه السياسات يجعل المنطقة أسيرة دوامة العنف والدمار وأن أي محاولة لبناء استقرار حقيقي لا بد أن تمر عبر تغيير جذري في القيادة الإسرائيلية ونهاية عهد نتنياهو وتحالفه المتطرف لأن السلام لا يصنعه من يعيش على الكراهية ولا يمكن أن يأتي الأمن من فكر يقوم على الإقصاء والعدوان بل من الاعتراف بالآخر وبحقه في الحياة الكريمة والحرية

القوى اليمينية المتطرفة تعتبر الخزان الانتخابي لنتنياهو وان تحالفه مع اليمين المتطرّف الذي يرى بأن التوسّع الاستيطاني والسيطرة الأمنية الطويلة هي الخيار الأوحد ليس مجرد شراكة سياسية حالت دون التقدم بل هي بنية مؤسسية وأيديولوجية تعرقل أي تغيير حقيقي في سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين وبما يشكل تهديد لمسيرة السلام وان بقاء نتنياهو يعني استمراراً لسياسة ترتكز على الأمن والعسكرة بدلاً من السلام والتفاوض فبدلاً من أن تعتبر عملية السلام هدفاً أصبحت العمليات العسكرية والاحتلال والتوسّع الاستيطاني وسائل للحفاظ على السلطة والنفوذ

خاتمة : إن استمرار نتنياهو في منصب رئاسة وزراء إسرائيل يعني بقاء حالة السلام المعلَن في حالة تجمد أو انتكاس لأن الأمر اليوم لم يعد داخلياً فقط بل إقليمياً ودولياً وإن تغييراً ما في القيادة أو في توجهات الحكم داخل إسرائيل أو في موقف الغرب يبدو شرطاً عمليّاً لأي انطلاقة حقيقية نحو تسوية وإذا فشلت هذه المقوّمات فإن الدول العربية والمجتمع الدولي ستكون أقلّ استعداداً للمخاطرة في عملية فرض سلام تحت غطاءٍ لا يعطيها ضمانات واقعية بعبارة أخرى لا سلام فعلي بوجود نتنياهو واليمين المتطرّف في الحكم ما لم يكن هناك تحول جذري في مفهوم السلام والياته

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]







عدد المشاهدات : (810)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :