زعل وخضرا .. ذاكرة الكوميديا الأردنية الممتدة عبر ثلاثة عشر جزءاً


رم - قراءة في الإنتاج الدرامي عبر مسيرة التلفزيون الأردني

توثيق وتحليل لأبرز الأعمال الدرامية التي قدمها التلفزيون الأردني، من نشأته وحتى اليوم

الحلقة رقم (101)


من بين الأعمال الدرامية الأردنية التي رسخت حضورها في ذاكرة المشاهد الأردني والعربي، يبرز مسلسل «زعل وخضرا» بوصفه تجربة فنية متجددة استطاعت أن تحافظ على نبضها لعقود متتالية، مقدّمة مزيجاً من الكوميديا الشعبية والنقد الاجتماعي الذكي، في إطار درامي خفيف ظلّ وفي الوقت ذاته عميق المعاني.

انطلق أول أجزاء المسلسل في مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، حين قرّر التلفزيون الأردني إنتاج عمل كوميدي رمضاني يعكس نبض المجتمع بأسلوب بسيط وقريب من الناس. فجاءت فكرة «زعل وخضرا» لتشكّل انعكاساً للبيت الأردني وللتفاصيل اليومية للمواطن، من خلال شخصيتين طريفتين شكّلتا ثنائياً محبوباً هما زعل وخضرا، اللذان تحولا لاحقاً إلى رمزين شعبيين في الدراما المحلية.

كتب حلقات المسلسل في بداياته كلٌّ من حسن سبايلة، وأحمد حسن الزعبي، وعاطف أبو حجر، الذين وضعوا الأسس الأولى لروح العمل وشخصياته المحببة. ومع تطور الأجزاء وتعدد المواسم، تولّى الكتابة عدد من الأقلام الأردنية الأخرى، من أبرزهم عايد يانس وعدد من الكتّاب الذين أسهموا في تجديد الأفكار وتنوّع الموضوعات، ما منح السلسلة استمرارية وثراءً في الطرح والمضمون.

قاد بطولة العمل النجمان حسن سبايلة ورانيا إسماعيل، اللذان قدّما أداءً متقناً جمع بين العفوية والاحتراف، ليصبحا أيقونة كوميدية أردنية بامتياز. فالعلاقة بين زعل وخضرا لم تكن مجرد ثنائية زوجية على الشاشة، بل كانت مساحة للتعبير عن التناقضات اليومية في المجتمع الأردني، بطريقة محببة تعكس روح الدعابة والذكاء الشعبي.

تواصل إنتاج المسلسل عبر ثلاثة عشر جزءاً، كان التلفزيون الأردني هو الجهة المنتجة والداعمة الرئيسة له.
وتنوّعت عناوين الأجزاء بين:
زعل وخضرا
دبابيس زعل وخضرا
ترند زعل وخضرا

وقد عُرضت الأجزاء تباعاً في مواسم شهر رمضان المبارك، محافظة على تقليد سنوي ينتظره المشاهدون لما يحمله من مواقف طريفة ومضامين إنسانية واجتماعية تعالج قضايا الناس بلغة الدعابة والنقد البنّاء.

لم يكن «زعل وخضرا» مجرد سلسلة من المواقف الطريفة، بل كان عملاً نقدياً في قالب كوميدي. إذ ناقش المسلسل في حلقاته المتنوعة قضايا المجتمع الأردني من بيروقراطية وغلاء معيشة وسلوكيات اجتماعية وتحديات الشباب، بأسلوب ساخر راقٍ يجمع بين الابتسامة والرسالة.
ولعلّ سرّ نجاحه يكمن في قدرته على تبسيط الفكرة وإيصال النقد من دون إسفاف أو مباشرة، مستنداً إلى روح الفكاهة الشعبية الأردنية الأصيلة.

على مدى المواسم الثلاثة عشر، شارك في المسلسل عدد كبير من نجوم الدراما الأردنية كضيوف شرف أو أدوار مساندة، ومنهم:
عبد الكريم القواسمي، محمد عواد، مارغو أصلان، أنور خليل، رفعت النجار، مازن عجاوي، نجلاء عبد الله، نجلاء سحويل، معتصم فحماوي، وغيرهم من الوجوه الشابة التي أضفت على العمل روحاً متجددة كل موسم.
وقد ساهم حضور هؤلاء الفنانين في إثراء الحلقات ومنحها بعداً فنياً متنوّعاً يزاوج بين الخبرة والطاقة الشبابية.

تولى إخراج أجزاء المسلسل مجموعة من المخرجين الأردنيين الذين ترك كلٌّ منهم بصمته الخاصة على العمل، ومنهم حماد الزعبي، سيف الصمادي، فايز دعيبس، اياد الخزوز،دارين هلال،عصام مشربش،محمد عايش،سالم الكردي،سيف يوسف حيث نجحوا في الحفاظ على روحية السلسلة رغم تغيّر الظروف والمواسم، من خلال إخراج بسيط قريب من الجمهور، يعتمد على المواقف الواقعية وحيوية الأداء أكثر من الزخرفة التقنية.

تحوّل المسلسل إلى طقس رمضاني ثابت في بيوت الأردنيين، إذ اعتاد المشاهدون على متابعة مغامرات «زعل وخضرا» بعد الإفطار، لتكون جرعة من الترفيه والنقد الاجتماعي اللطيف الذي يُذكّر الناس بأن الضحك يمكن أن يكون وسيلة للفهم والتصحيح.
كما أسهمت السلسلة في ترسيخ الكوميديا الأردنية على خارطة الدراما العربية، مقدّمة نموذجاً مغايراً عن الكوميديا التجارية السائدة.

مع تطور الإعلام والمنصات الرقمية، استمرت السلسلة في مواكبة الزمن، فظهر إصدار جديد تحت اسم «ترند زعل وخضرا» في موسم رمضان 2024، مؤكدة أن العمل ما زال قادراً على التجدد والتفاعل مع قضايا العصر، بنفس الروح القديمة ولكن بوسائل حديثة تُخاطب الجيل الجديد.

بعد أكثر من ثلاثة عشر جزءاً، يمكن القول إن «زعل وخضرا» ليس مجرد مسلسل كوميدي، بل وثيقة فنية واجتماعية ترصد تحوّلات المجتمع الأردني على مدى أكثر من عقد ونصف، من خلال شخصيات بسيطة وواقعية أحبّها الناس، وضحكوا معها، وتعلّموا منها معنى النقد الهادف بروح الدعابة.
عماد الشبار



عدد المشاهدات : (4159)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :