رسالة إلى أحمد الصفدي… حين يكتب السياسي وصيته على قيد الحياة


رم -
بقلم ماجد ابورمان

أخي أحمد الصفدي،

ليست كل الكلمات تُكتب بالحبر، فبعضها يُكتب بالوجع.
وحين خرجتَ لتقول: "لقد عبرنا عامًا من عمر المجلس"، لم تكن تُلقي خطابًا سياسيًا، بل كنت تودّع نفسك الأولى، تلك التي صدّقت أن في السياسة مكانًا للنقاء.

في رسالتك الأخيرة، بدوتَ كمن يخلع عباءة المنصب ليبقى في ثوب الإنسان.
كتبتَ بصدق الجندي لا بدهاء السياسي، وكأنك أردت أن تقول لنا جميعًا: إن الكرسي لا يرفع أحدًا، بل يكشف ما فيه.

كان يمكنك أن تصمت، وأن تترك الآخرين يكتبون عنك ما شاءوا، لكنك آثرت أن تكتب بنفسك، لا دفاعًا عن ذاتك، بل عن فكرةٍ نادرةٍ مفادها أن الخطأ لا ينفي الإخلاص.
فمن يقول: “أنا أتحمل المسؤولية” لا يبرّر، بل يواجه.
ومن يقول: “لست نادمًا” لا يتكبر، بل يعترف بأن الطريق كان يستحق الألم.

وفي قولك: “لم أبث الحب على موجة غير أردنية”، أعلنتَ انتماءً نادرًا في زمنٍ يتاجر فيه البعض بالولاء، وجعلتَ من الوطنية صلاةً صامتة لا شعارًا يُرفع.
كلماتك كانت أشبه بمرثية رجلٍ أحبّ وطنه حتى الغصة، ووقف على حافة السياسة دون أن يسقط في مستنقعها.

نعم، قد يختلف الناس حول أدائك، لكن ما لا يختلف عليه أحد هو أنك واجهت، وتحملت، وكتبت بصوتٍ لم يُشترَ ولم يُصادر.
وفي زمنٍ تهرب فيه النخب من المرايا، تجرّأت أنت على النظر إليها.

وربما سيبقى اسمك بعد حين مجرد سطر في أرشيف المجلس،
لكن في ذاكرة الأردنيين ستبقى ذلك الرجل الذي كتب وصيته على قيد الحياة،
وقال في زمن الزيف:
لا صوت يعلو على صوت الأردن، ولا حزب أكبر من حزب الأردن.

ولعل التاريخ، حين يهدأ الغبار، سيقول عنك ببساطة كما تقول أمّ من الكرك أو عجوز من السلط:
“كان أحمد الصفدي أردنيًا… وكان يكفي أن يكون كذلك.”

أخوك في الكلمة والموقف،



عدد المشاهدات : (8213)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :