د. ايمن محمد ابورمان
في ظل ما تعصف به المنطقة من تقلبات سياسية واضطرابات امنية متلاحقة على الساحة الإقليمية، لم يعد الأمن اللوجستي ترفا إداريا أو شأنا تقنيا محضا، بل غدا ركيزة سيادية تمس جوهر الأمن الوطني للدول، وفي مقدمتها الاردن. فكل أزمة جديدة في الإقليم تعيد التذكير بأن حماية شرايين الإمداد الوطني وضمان استدامة تدفق السلع والخدمات تمثلان الضمانة الأولى لديمومة النشاط الاقتصادي وصون التوازن الاجتماعي في وجه الاضطراب.
لقد تجاوز مفهوم الأمن اللوجستي حدوده التقليدية بوصفه ممارسة تشغيلية إلى أن أصبح منظورا سياديا متكاملا يتقاطع مع الأمن الغذائي واستدامة الطاقة وتوازن الإمدادات، بوصفها عناصر حيوية للسيادة الوطنية. ومن هذا المنظور، يجد الاردن نفسه في قلب معادلة دقيقة تستوجب تحصين عمقه اللوجستي من انعكاسات العواصف الإقليمية، وتعزيز متانته التشغيلية وقدرته على الصمود في وجه التحولات الجيوسياسية المتسارعة والتحديات العابرة للحدود.
لقد تركت الأزمات المتتابعة في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين، فضلا عن تداعيات الحرب في غزة وتوترات البحر الأحمر، بصمات عميقة على المشهد اللوجستي الاردني. فقد اعادت رسم خرائط الحركة التجارية التي يعتمد عليها الاردن في وارداته وصادراته، واثقلت الممرات الحيوية بارتفاع تكاليف النقل والتأمين وتأخر عمليات التسليم، مما ضاعف الضغط على ميناء العقبة بوصفه الرئة الاقتصادية للمملكة والشريان الأهم لتدفق تجارتها الوطنية.
أمام هذا المشهد المتقلب، تبرز الحاجة إلى رؤية وطنية ناضجة للأمن اللوجستي، تعيد هندسة بنية الدولة من الداخل، وترتكز على ثلاث دعائم سيادية رئيسة:
التحول من لوجستيات التشغيل إلى لوجستيات المعرفة، عبر رقمنة مفاصل النقل والتخزين والموانئ وربطها في منظومة رقمية موحدة تنبض بالذكاء الاصطناعي والتحليل اللحظي.
تشبيك الجغرافيا بالبنية التحتية من خلال تطوير الممرات البرية والسككية لتصبح شرايين متعددة الاتجاهات، قادرة على الصمود أمام أي حصار تجاري أو انقطاع إقليمي.
ترسيخ الوعي اللوجستي في الفكر الوطني، عبر دعم التعليم الجامعي والمهني في مجالات اللوجستيات وسلاسل الإمداد، والاستثمار في الإنسان الاردني بوصفه الدرع الأول والركيزة الأساسية في مواجهة الأزمات والطوارئ.
وفي المحصلة، يتجلى الأمن اللوجستي بوصفه الشريان الخفي للاقتصاد الوطني، وحصن الأسواق في وجه العواصف الإقليمية. وعندما تبنى المنظومة اللوجستية على أسس الذكاء التشغيلي والمرونة الاستباقية، يتحول الاردن من مجرد ممر للعبور إلى فاعل إقليمي محوري، ومن متأثر بالتغيرات إلى صانع للتوازنات في فضاء التجارة والنقل والخدمات العابرة للحدود.
لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
|
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |