تصعيد ناري بين واشنطن وبكين .. !!


رم - أعاد رد الرئيس الصيني شي جين بينغ اللاذع على انتهاك دونالد ترامب لشروط الهدنة التجارية الهشة بينهما إشعال دوامة من الردود المتبادلة، كاشفاً عن مسار صعب لأي اتفاق تجاري أميركي صيني.

فبعد أن أعلنت الصين فرض قيود صارمة على صادرات المنتجات التي تحتوي على عناصر نادرة، حتى لو بكميات ضئيلة، رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهديدات حادة، شملت إلغاء لقاء مرتقب مع شي هو الأول منذ 6 سنوات، ومضاعفة الرسوم الجمركية على السلع الصينية لتصل إلى 100%، إلى جانب قيود واسعة على "جميع أنواع البرمجيات الحيوية".

وفي بيان صدر الأحد، بررت بكين خطواتها بأنها دفاعية، متهمة واشنطن بإدخال إجراءات جديدة تستهدف الصين منذ لقاء مدريد في سبتمبر. وكانت وزارة التجارة الأميركية قد وسعت نطاق قيودها على التصدير الشهر الماضي، لسد الثغرات التي كانت تسمح للصين بالحصول على رقائق متقدمة.

اقتصاد سورياعقوبات مشددة.. سوريا تمنع حيازة وتداول "الخردة" الحكومية المدنية والعسكرية
وقالت وزارة التجارة الصينية: "التهديدات المتعمدة بفرض رسوم مرتفعة ليست الطريقة المثلى للتعامل مع الصين. موقفنا من الحرب التجارية واضح: لا نريدها، لكننا لا نخاف منها".

وتشير ردود الفعل الصينية إلى أن بكين اعتبرت الهدنة التي تم التوصل إليها في جنيف في مايو، ثم تأكيدها في لندن، مشروطة بعدم فرض أي قيود جديدة على الشحنات الحيوية. لكن التصعيد الأخير يكشف أن شي بدأ برسم خطوط حمراء، ما يضع الصين أمام خيارين: الرد بالمثل أو محاولة احتواء الأزمة لإعادة التوازن التجاري.

وقال الباحث البارز في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية، تشو مي: "لن نرهب بهذه الإجراءات الأحادية والقسرية. خطواتنا أوضحت ذلك تماماً".

ورغم التصعيد، لا تزال هناك نافذة للتهدئة. فقرارات ترامب الجمركية مقررة في الأول من نوفمبر، بعد أيام من القمة المرتقبة في كوريا الجنوبية، فيما تبدأ القيود الصينية الجديدة بعد ذلك بأسبوع، قبل انتهاء الهدنة التي تمنع فرض رسوم تصل إلى 145%.

وتتمحور المفاوضات حول صادرات التكنولوجيا والمغناطيسات الحيوية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والصناعات العسكرية. وكانت الصين قد ردت في أبريل على رسوم ترامب البالغة 145% بمنع الشركات الأميركية من شراء مغناطيساتها، ما أدى إلى إغلاق مصانع وخلق حالة من الذعر بشأن اعتماد واشنطن على المعادن الصينية الحيوية.

وإذا مضى ترامب في رفع الرسوم، قد تعيد بكين فرض الحظر، لتدخل القوتان في اختبار قاسٍ حول من يستطيع تحمل الألم الاقتصادي أكثر.

ووفقاً لتحليلات شركة "هوتونغ ريسيرش"، فإن "خوف واشنطن من الصين استراتيجي وليس اقتصادياً. فتعطيل تدفق العناصر النادرة يهدد قدرة الإنتاج الدفاعي الأميركي، وهو ركيزة لقوة واشنطن العالمية واستقرار الدولار".

ويبدو أن الطريق نحو اتفاق تجاري بات أكثر تعقيداً. فالصين عرضت حزمة استثمارية ضخمة، لكن تدفق هذه الأموال قد يعرقل بسبب القيود الأمنية الأميركية، ما يهدد أيضاً صفقة تشغيل "تيك توك" في الولايات المتحدة، والتي واجهت معارضة سابقة من الكونغرس.

ويرى مركز CF40 الاقتصادي في بكين أن واشنطن ستتضرر أكثر من انهيار صفقة "تيك توك"، خاصة مع اقتراب انتخابات منتصف الولاية في 2026، حيث تعتمد إدارة ترامب على المنصة لاستقطاب الشباب. وأضاف المركز: "الضغوط التضخمية ونقص السلع الناتج عن الرسوم سيكون من الصعب احتواؤه في المدى القصير".

ورغم التوتر، تسجل الصادرات الصينية أرقاماً قياسية في عدة أسواق، ما يمنح شي هامشاً للمناورة، خاصة مع توقعات بانتعاش جديد في قطاع التصنيع. لكن أي قفزة في الرسوم قد تضغط على اقتصاد يعاني أصلاً من ضعف الطلب المحلي ومخاطر الانكماش.

ومن المتوقع أن يجتمع مسؤولون من الجانبين هذا الأسبوع في واشنطن، ضمن لقاءات دورية مع مسؤولي المالية الدوليين، حيث قد تواجه بكين انتقادات من شركاء عالميين بسبب القيود التي لا تقتصر على الولايات المتحدة، بل تهدد أيضاً شركات أوروبية وآسيوية.

التصعيد الأخير أعاد المخاوف من انهيار أوسع في التجارة العالمية، مع تراجع حاد في الأسواق يوم الجمعة، حيث سجلت الأسهم الأميركية أسوأ أداء لها منذ ستة أشهر، وهبطت أسعار السلع من فول الصويا إلى القمح والنحاس والقطن.

ووفقاً لتقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس"، فإن رفع الرسوم الأميركية إلى 100% سيرفع المعدلات الفعلية إلى نحو 140%، وهو مستوى لا يرفع التكاليف فحسب، بل يوقف حركة التجارة تماماً. ورغم أن المعدل الحالي البالغ 40% يمثل تحدياً، إلا أن تفوق الصين الصناعي أبقى الصادرات مستمرة. لكن الرسوم فوق 100% قد تقطع معظم التدفقات.

ويقول راي وانغ، كبير محللي أشباه الموصلات في مجموعة "فيوتوروم": "الرهانات الاقتصادية والأمنية وسلاسل الإمداد تجعل من الصعب استمرار هذا الجمود إلى ما لا نهاية. النهاية ستكون عبر تسوية تفاوضية".

وكانت الصين قد استخدمت في وقت سابق هذا العام تفوقها في العناصر النادرة لإجبار ترامب على تخفيف قيود التصدير، وقد تسعى لتكرار ذلك في الجولة المقبلة من المحادثات.

ووصف هو شيجين، رئيس تحرير صحيفة "غلوبال تايمز" السابق، التصعيد الأخير بأنه "نقطة تحول" في علاقة الصين بالولايات المتحدة، قائلاً: "هذا العام، فرضت إدارة ترامب الرسوم على منتجاتنا دون حتى التشاور معنا. العقوبات على شركاتنا جاءت بنفس الطريقة. الصين ستستخدم قوتها لمنع واشنطن من تجاوز الخطوط الحمراء".



عدد المشاهدات : (4323)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :