رم - الدكتور نضال المجالي
منذ أكثر من قرن، وضع ألفريد نوبل أسس جوائزه لتكريم من يقدّم للبشرية ما يرفع من شأنها ويخفف من آلامها، فجعل جائزة السلام عنوانا للضمير الإنساني، ووساما لمن يزرع الأمل في عالم تمزّقه الصراعات. لكن ما لم يدركه نوبل حينها هو أن السلام ليس مفهوما ساكنا، بل هو كائن حي يتطور مع الأزمات، ويتطلب قادة يصنعونه بعرق المواقف لا بكلمات منمقة.
لقد شهدنا على مدى العقود الماضية تحوّل جائزة نوبل من رمز للسلام إلى أداة مثيرة للجدل في بعض الأحيان، بسبب ابتعادها عن جوهرها الأول: تكريم من صنعوا سلاما حقيقيا، لا من رفعوا شعاراته. ويحق لنا – نحن ممن دفعوا أثمان حروب المنطقة – أن نقول إن من يستحق جائزة السلام اليوم هو من أثبت أن الضمير الإنساني لا يزال يقاوم، وأن الصوت العربي لا يزال قادرا على أن يواجه العاصفة بالحكمة والثبات.
إن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، ومنذ توليه أمانة القيادة، جسّد هذا المعنى العميق للسلام، ليس بخطاب سياسيّ عابر، بل بمنهجٍ راسخٍ وموقفٍ ثابتٍ تجاه القضية الفلسطينية، التي لم تغب يوما عن وجدانه. تابعنا على مدى سنوات لا تُحصى جولاته الدولية، ولقاءاته، وكلماته في المحافل الأممية، التي كانت جميعها دفاعا عن حق الإنسان في الحياة والكرامة، وعن ضرورة وقف العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، التي عانت وما زالت حتى الأمس في حصارٍ لا يشبه إلا جريمةٍ مفتوحةٍ أمام العالم.
لم يكن الملك عبدالله الثاني وسيطا محايدا، بل كان ضميرا متكلّما باسم المظلومين، يذكّر العالم بأن السلام لا يكون سلاما إن لم يكن عادلا، وأن حماية القدس والمقدسات ليست قضية سياسية فحسب، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية. مارس جلالته السلام بجرأةٍ وواقعية، استخدم فيها لغة العقل دون أن يتخلى عن المبدأ، وجعل من الأردن نموذجا لدولة صغيرة في حجمها، كبيرة في أثرها الإنساني والسياسي.
نحن – كمراقبين ومتابعين وشهود على الأحداث – نرى أن جلالته تجاوز في فعله ومواقفه كل ما وضعه نوبل من أسس نظريةٍ للسلام. فالسلام عند الملك ليس جائزة تُمنح، بل رسالةٌ تُحمَل، ومعركةٌ تُخاض كل يوم ضد اليأس والظلم والتطرف.
وعليه، فإننا نبارك لمن تسلّم الجائزة هذا العام، لكننا نؤكد بثقة أن التاريخ سيكتب جائزة نوبل الحقيقية في سجلّ من صنعوا الفعل لا المجد، ومن اختاروا الإنسانية لا المصلحة. وفي هذا السجلّ، سيبقى اسم الملك عبدالله الثاني بن الحسين عنوانا للسلام الذي تجاوز كل التصنيفات، لأنه سلام وُلد من الموقف لا من البروتوكول، ومن الإيمان لا من الاعتراف الدولي.