رم - وزارة الداخلية وزارة سيادية لها مهام كثيرة ومتعددة الاختصاصات وفي مقدمتها الحفاظ على الأمن وفرض هيبة الدولة في جميع نواحي البلاد، وهذه المهام ليست مقتصرة على وزارة الداخلية الأردنيّة، بل انًها مهام متشابهة مع وزارات الداخلية في العالم.
وشخصية وزير الداخلية في الأغلب تتسم بالجدية والصرامة وعدم التهاون مع كل من يحاول الاخلال بالأمن واستقرار الحياة اليومية في الدولة وهذه الصفات تتفق مع طبيعة العمل. والقرارات الصادرة عن وزارة الداخلية في اغلبها واجبة التنفيذ والتطبيق، لأنَها تصدر بدقة وعناية فائقة ومبنية على علم ودراية عميقة بالخلفية الأمنية والسلامة المجتمعيّة، لأجل أن تتحقق الغاية النفعيّة من القرار.
ما صدر عن معالي وزير الداخلية كمبادرة اجتماعيّة تخصٌُُ مناسبات الأفراح والأتراح وتحديدها بالزمن والأعداد وضعّها في التساؤلات والتكهنات التي كان من الواجب عدم إثارتها في هذه المرحلة الحساسة ومن مثلها أنّ الدولة تسعى إلى التضيق على المواطن وتحقيق قبضة أمنية صارمة على المجتمع وكأن البلاد تعيش حالة تستوجب فرض قانون طوارئ وفي واقع الحال أنّ الأمور تسير بخلاف هذا ولو أنً المبادرة انطلقت من غير وزارة الداخلية ما كان كلّ هذا التفاعل المجتمعي الذي في اغلبه رافض لها.
ومن هنا فإنً المبادرة اضرّت بهيبة الوزارة وهذا تمثّل بكثرة الرد والرفض المجتمعي لما صدر من مبادرة عن وزير الداخلية، في الوقت الذي يجب على المواطنين الالتزام التام بكلّ ما يصدر عن هذه الوزارة من قرارات، وأكثر الخوف من أنّ يلجأ المواطنون لرفض بعض قرارات مستقبلية صادرة عن وزارة الداخلية هذا قد يدفع بالوزارة إلى استخدام الأمن الخشن من أجل فرض القرار وهيبة الدولة وهذا ما لا يحمد عقباه.
كان الأجدر بوزير الداخلية أن يبتعد بالوزارة عن هذه المبادرة، لأنّ البدائل في طرحها كثيرة وموجودة وقدراتها التأثيريّة عالية وبشكل مقبول لدى المواطنين ومن هذه الجهات وزارة الأوقاف فهي تملك قدرات تأثيريّة كبيرة من خلال تفعيل دور خطباء المساجد الذين يملكون الخطاب الديني في توجيه المجتمع وارشاده واقناعه بترك العادات والتقاليد التي تثقل كاهل المجتمع.
وللإعلام دوره الفعّال في تحقيق نقلة نوعية داخل المجتمع وإرساء مفاهيم اجتماعية جديدة تساهم في تنظيم سلوك اجتماعي جديد يجمع بين المحافظة على الآصالة والطرح المعاصر للعادات والتقاليد.
ويمكن الاستعانة بوزارة التربية والتعليم وإدخال مفهوم التقنين الاجتماعي في المناسبات، وترسيخ مفهوم الوعي المجتمعي عند الطلبة بضرورة الابتعاد عن الإسراف والتبذير ويتحقق هذا من خلال الإذاعة المدرسية بحيث يصبح الطلبة منابر هداية وتوجيه مجتمعي.
وعلى وزارة الثقافة دور كبير في احداث التغيير الاجتماعي فهي تملك أدوات وقدرات واسعة في التأثير على المجتمع فهي تشرف على برامج الهيئات الثقافية المنتشرة في كل المحافظات ومن شأن هذه الهيئات أن تبذل الجهد الجيد والمعقول في تعميق مفهوم الضرورة بالتغيير.
كلّ هذه الأبواب مفتوحة ومنابرها مقبولة وقوية التأثير وقادرة على إيصال فكرة المبادرة دون إحداث أي ضجيج
كان الأجدر بوزير الداخلية أن يحافظ على هيبة الوزارة، لأنّ وزارة الداخلية وزارة قرارات لا وزارة مبادرات فهي تحتفظ بالقدر الأكبر من هيبة الدولة والهيبة تقتضي الابتعاد قليلا.
الدكتور: يوسف عبيدالله خريسات