رم - كريستين حنا نصر
دخلت كتائب حركة حماس باقتحام بري وجوي وبحري للمستوطنات في منطقة غلاف غزة ، وفي حملة عسكرية أطلقت عليها حركة حماس اسم ( طوفان الاقصى) بتاريخ السابع من اكتوبر عام 2023م ، أي منذ سنتين حيث جرى على اثرها أسر واختطاف رهائن كذلك قتل الكثير من المواطنين الاسرائيليين .
ومنذ ذلك اليوم أي طوفان الاقصى بدأت الحرب بين اسرائيل وحركة حماس وما تزال مشتعلة حتى اليوم ، والتي أسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين ، ولكن المتضرر الاكبر هو الشعب الفلسطيني الذي يعيش في قطاع غزة ، وهو الذي دفع أثمان باهظة من قتل وتشريد وتدمير للمناطق السكنية بأكملها في غزة ، والآن وبعد سنتين من الحرب فقد دمرت غزة بشكل شبه كامل الى جانب تضرر شعبها بالطبع ، ولا ننسى دعم حزب الله في لبنان والعراق واليمن ضمن ما أطلق عليه ( وحدة الساحات )، من خلال اطلاق الصواريخ والتي سرعت في تدمير غزة ودفعت نحو استمرار الحرب وخسارة محور وحدة الساحات في نصرة أهل غزة أو المساعدة في تحقيق انتصار لحركة حماس في هذا الصراع مع اسرائيل ، وللاسف فإن قوى وحدة الساحات بدلاً من نصرة غزة وأهلها فقد دمرت البلدان التي أطلقت منها الصواريخ ، فعلى سبيل المثال لبنان الذي يعاني اساساً من الفساد الاداري وهدر المال العام ، اضافة الى هيمنة الحزب الاقوى على سيادة الدولة ومقدراتها واقتصادها ، فانه وحتى اليوم لبنان يعاني رفض حزب الله تسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية وبالاخص بعد ضعف هذا الحزب عسكرياً واستشهاد أمينه العام السيد حسن نصر الله وغيره من رفاقه بعض اعضاء الحزب ، وفي المحصلة لبنان يعاني الان إقتصادياً خصوصاً بعد المشكلة الحالية مع البنوك والتي اقرضت الحكومة اموال من مال الشعب ، ولم تسدد الحكومة هذه القروض المالية للبنوك التي لم تتمكن هي الاخرى من اعطاء الاموال لاصحابها المودعين .
العراق هو أيضاً أحد دول محور وحدة الساحات ويعاني اليوم أزمة سياسية وادارية تهدد سيادة الدولة ، والتي يكثر فيها الفساد والمحاصصة كذلك ضعف واضح في المؤسسات ، والى الان لا توجد هناك ملامح لأي اصلاحات بهدف حل هذه المشاكل المتجذرة ، وبالاخص من قبل الاحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها الطائفية والقومية المتهمة بالفساد الاقتصادي وتقاسم الاموال والموارد ، خاصة التحالفات بين بعض القوى السياسية مع محور وحدة الساحات مع غزة ، والذي ساهم في تأخير اطلاق أي مشاريع اصلاحية للدولة ، وأدى الى اضعاف ثقة الشعب بالنظام السياسي القائم ، وهذه المحاصصة الحزبية أيضاً اثرت سلباً على المواطنة ، حيث نجد الوظائف العامة تخضع للولاء السياسي والحزبي وليس الكفاءة والمؤهلات ، ناهيك عن الهيمنة الاقتصادية على موارد الدولة لصالح الاحزاب المدعومة من خارج العراق ، والتي انهكت الاقتصاد العراقي .
وهنا نلاحظ أن بلدان محور وحدة الساحات تعاني اقتصادياً وسياسياً وكذلك هو الحال في اليمن وسوريا ايضاً ، فقبل سقوط نظام بشار الاسد البائد الذي كان من محور المقاومة و وحدة الساحات ، فإنه وللأسف شعبه السوري ما زال يعاني حتى الان جراء هذه الحروب والتحالفات التي انهكت الدولة اقتصادياً وسياسياً .
وبالطبع فيما يخص ايران والتي هي الداعم الاساسي لمحور وحدة الساحات والداعم الرئيسي لحركة حماس في غزة ، فهي الاخرى تمّ تقليص قوتها محلياً وخارجياً ، حيث لم تعد تطلق الصواريخ وتقدم الدعم لحماس بعد صراعها مع اسرائيل مؤخراً ، وفيما عرف بحرب الاثنا عشر يوماً ، وهنا بقيت غزة وحدها وشعبها يدفع اثمان البطولات ، والوضع الحالي للحرب في غزة وبعد تدمير شبه كامل لغزة ومقتل واستشهاد الكثير من شعبها وتشريدهم . وفي هذه المرحلة تدخل غزة بسط قوى العنصر الاقوى او الطرف الرابح وهو الذي سيفرض شروطه في المرحلة الجديدة لمستقبل غزة ، حيث أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب قدم اقتراحه لوقف الحرب في غزة ومن ضمنه الشروط التي قدمها لحركة حماس للقبول بها ، والاهم هنا أن دولة قطر وتركيا اللتان تدعمان حركة حماس منذ بداية الصراع بين حركة حماس واسرائيل في غزة ، ها هم اليوم قد وافقوا على شروط مقترح ترامب قبل حركة حماس ، ولعبوا دوراً في اقناع حماس بقبول شروط ترامب ، وهذا يدل على أن هذه الدول لن تدعم حركة حماس مستقبلاً ، بل ساهمت في ارغام حماس على الموافقة المبدأية ودخول مفاوضات مع اسرائيل في القاهرة لتطبيق بنود خطة السلام التي طرحها ترامب لوقف الحرب ، وهذا القبول تمّ تعزيزه بعد موافقة بعض الدول العربية والاسلامية على بنود مقترح ترامب أيضاً.
ومن أهم بنود ترامب للسلام هي اخراج حركة حماس وبشكل كامل من غزة ، لتصبح غزة قطاعاً منزوع السلاح والفلسطينيين يحكمونها من خلال حكومة تكنوقراط ، والسؤال الابرز هنا هو ما مستقبل الدول العربية التي تتواجد فيها أحزاب وحدة الساحات الداعمة لحركة حماس في حربها في غزة ، مثل لبنان والعراق واليمن والتي الى الان تتواجد فيها أحزاب وقوى محور المقاومة المدعومة من ايران وبالاخص الميليشيات فيها ؟ . ان المرحلة الجديدة في رسم خرائط الشرق الاوسط الجديد معتمة جداً على مستقبل بلدان محور وحدة الساحات ، والتي دعمت حركة حماس في الحرب في غزة ضد اسرائيل ، هذه البلدان العربية التي ما تزال تتواجد فيها ميليشيات واحزاب وحدة الساحات ، وبالاخص لبنان والعراق التي نجد ان حكومتها الحالية تدعم هذا المحور ، والسؤال المهم أيضاً ، هو بعد اطلاق عملية وخطة السلام بين اسرائيل وحركة حماس ، فما مستقبل بلدان محور الساحات وأحزابها وميليشياتها ؟ ، فهل ستدخل هي الاخرى مرحلة عدم الاستقرار وحرب مع اسرائيل لتقليص نفوذ الاحزاب وعناصرها .
لا شك ان كل هذا يُنذر بوجود امكانية فتح جبهات جديدة للصراع للحد من نفوذ هذه القوى وربما مع اسرائيل ، وبشكل خاص اليمن والعراق ، وهناك احتمال ممكن وهو ان تواجه هذه الاحزاب من مقاومة داخلية باعتبار ان هذه الاحزاب والقوى مهيمنة على مقدرات الدولة وهي تلعب دوراً بالغ الأهمية وراء الفساد الاداري والاقتصادي المستشري فيها . فهل ستدخل هذه الدول مرحلة اصلاحات سياسية واقتصادية لكبح هيمنة هذه القوى والاحزاب على سيادة هذه الدول ؟ .
ويمكن القول بأن تداعيات السلام المحتمل في غزة سوف يؤثر حتماً على محور وحدة الساحات والذي دعم حركة حماس في غزة من عدة بلدان عربية ، والملاحظ بأن احزابه مهيمنة على سيادة هذه الدول ، فهل هذه الدول بالمحصلة سوف تتمكن من التحرر من هيمنة الاحزاب ، وتدخل مرحلة واقعية من اصلاحات سياسية واقتصادية وتنجح في بسط سيادة الدولة وجيشها على مفاصل الدولة ؟ .