رم - بلال حسن التل
تحدثت في مقالتي خلال الاسبوع عن عدد من التشوهات التي اصابت عاداتنا الاجتماعية، ورغم خطورة ماينتج عن هذه التشوهات، غير انها تظل اقل خطرا من التشوهات التي دخلت على سلوكنا الاجتماعي، وبالتالي على علاقتنا الإنسانية ببعضنا. فلا يفوت الدارسين وحتى المراقب الحصيف ان يكتشف ان معظم العلاقات في محتمعنا صارت تقوم على المصالح المادية، وانها علاقات تتصف بالوصولية والانتهازية، حتى اذا ماانتهت المصلحة، انقطعت معها الصلة والعلاقة بين الاشخاص .
وحتى لا اظلم احدا فانني ساضرب بعض الأمثله مما عايشته شخصيا، مما يصب فيما ذهبت اليه من سيطرة الانتهازية والمصلحة على الكثير من العلاقات في مجتمعنا، في الفترة الماضية مرت بي الكثير من الحالات التي تؤكد هذه الحقيقه، منها انني فوجئت باتصال هاتفي من شخص عملنا معا قبل اربعة عقود، ثم انفصل واسس لنفسه عمله الخاص، وهذا حقه، غير ان الغريب انني لم اسمع صوته منذ ذلك الحين، ثم فوجئت عندما تلقيت منه اتصالا هاتفيا يفيض بمشاعر الشوق والاصرار على اللقاء، وعندما تم اللقاء عرفت انه يريد مني التوسط له عند صديق للحصول على صفقة عمل لمؤسسته، وانه لم يتذكرني شوقا وانما مصلحة. فبعد انقضاء مصلحته عاد الى سيرته الاولى في البعد.
حالة ثانية تثمثل في ان احدهم واصل اتصاله بي بمعدل اتصال هاتفي كل عشرين دقيقة ليطمئن انني تواصلت مع مسؤول لينصفه كما يدعي، وعندما علم بانني فعلت ذلك وعدني بانه سيتصل بعد نصف ساعة ليفهم اكثر، وطبعا لم يفعل واظنه لن يفعل.
حالة ثالثه مرت بي وتدل على حجم سيطرة المصالح على العلاقات الانسانية، فقد اتصل بي احدهم ليهنئني بتعيين السيد مريود التل امينا عاما للديوان الملكي الهاشمي، ولما اعلمته بان المرحوم مريود التل انتقل الى رحمة الله منذ سنوات طويلة، اكتشفت انه كان يقرأ في عدد قديم من جريدة الدستور زاوية الدستور قبل 25 عاما ، دون ان ينتبه لعنوان الزاوية، فكل ماسيطرعلى تفكيره هو طلب واسطة مني عند المرحوم مريود، رغم انني لم ارى طالب الواسطة هذا، او اسمع صوته منذ ان كنا طلابا في المرحلة الاعدادية. لكنه خلق المصلحة الذي ذكره بصديق نسيه لعقود.
هذه مجرد نماذج وامثلة تدلل على طبع المصلحة الذي صار يغلب على مجتمعنا.
بعيدا عن تجاربي الشخصية، فان كل من تولى منصبا رفيعا ثم تركه اكتشف كم تفرق من حوله اناس بعد تركه لمتصبه، لان التفافهم حوله كان التفافا حول المنصب ومصالحهم المرتبطة بهذا المنصب! .
لا تقتصر سيطرة المصالح المادية على العلاقات الفردية في محتمعنا، بل امتدت هذه السيطرة حتى الى العمل التطوعي، بما في ذلك الاحزاب السياسية، حيث راينا في بلدنا كيف انخرطت نسبة من الناس في احزاب بعينها، لانها في ظنهم اقصر الطرق للوصول، وهي سيطرة لم تنجو منها الجماعات والجمعيات والروابط وغيرها، لذلك فقدت الكثير منها اثرها وتأثيرها، مثلما فقد مجتمعنا الكثير من روابطه وعلاقاته الإنسانية المبرئه من كل غرض.