ردّ بلا تنازل كيف قلبت حماس الطاولة على ترامب ونتنياهو؟


رم -
مهدي مبارك عبد الله

على غير ما أراده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبشكل مغايرًا تمامًا لما كان يراهن عليه بنيامين نتنياهو جاء رد حماس على خطة " ترامب-إكس" بمثابة مناورة سياسية عالية الدقة تمكنت عبرها الحركة من تفكيك عناصر الفخ المنصوب لها وقلب الطاولة على رأسي المشروع الأمريكي- الإسرائيلي لإنهاء حرب غزة بشروط مذلة للمقاومة حيث لم يكن الرد الحمساوي تصعيديًا ولم يكن قبولًا مباشرًا لكنه كان محكمًا ومصاغًا بلغة دبلوماسية ذكية أرغمت البيت الأبيض على اعتماده وتبنيه فورًا ووضعت تل أبيب في زاوية حرجة أمام الرأي العام المحلي والدولي

بيان الحركة جاء مؤكداً بالموافقة على نقطتين كانتا أصلًا ضمن الثوابت الحمساوية في أي مفاوضات سابقة وهما صفقة تبادل الأسرى وتسليم إدارة غزة لحكومة تكنوقراط وطنية توافقية دون الدخول في ألغام خطة ترامب الأخرى وفي مقدمتها نزع سلاح المقاومة والوصاية الدولية على القطاع وهذا الرد أعاد إنتاج المعادلة بطريقة مقلوبة بدل أن تكون حماس في موضع الدفاع عن بقائها السياسي والعسكري انتقلت لتصبح هي الطرف المبادر بطرح مقبول دوليًا فيما وجد نتنياهو نفسه مضطرًا إما للرفض والمواجهة مع المجتمع الدولي أو القبول بتنازلات ستُقرأ إسرائيليًا كهزيمة سياسية وعسكرية مدوية تؤثر على مستقبله السياسي

ما فعلته حماس فعليًا هو سحب ورقة التفاوض من تحت النار وقلب مبدأ " نزع السلاح مقابل وقف الحرب " إلى " وقف الحرب أولًا ثم التفاوض " وهو ما أحرج إدارة ترامب وجعل الرئيس الأمريكي الباحث عن ورقة إنجاز دولي على أعتاب حملته لنيل نوبل للسلام يسارع إلى تبني الرد الحمساوي حيث لم يجرؤ ترامب في بيانه على تعديل أي من مصطلحات حماس بل تبناها حرفيًا في سابقة غير معهودة أرفقها بدعوة مباشرة إلى وقف إطلاق النار ما يعني أن واشنطن ولو مرحليًا باتت طرفًا ضاغطًا على تل أبيب وليس العكس

بالمقابل خيم الصمت لساعات على مؤسسات القرار في إسرائيل وكان المشهد في تل أبيب مرتبكًا ومشحونًا بالقلق إذ إن خطة ترامب التي عوّل عليها نتنياهو لتكون منصة إعلان " النصر الاستراتيجي " تحولت إلى كرة نار مرتدة حتى ان الإعلام العبري وصف الموقف بأنه " تحول مفاجئ قلب طاولة التفاوض " فيما تساءل المحللون العسكريون عن كيفية الرد على قبول حماس بـ" نصف الخطة " ورفض النصف الأخطر دون أن يمنح تل أبيب ذريعة الاستمرار في الحرب والمفاجئ ان فخ ترامب لحماس بات فخًا له ونزع السلاح تحول إلى مسألة مؤجلة للتفاوض داخل إطار وطني فلسطيني شامل بمعنى أوضح لم تتنازل حماس بل رحّلت الصدام إلى مرحلة لاحقة وأجّلت النقاش في القضايا الخلافية

هنا تبرز واحدة من أهم نقاط القوة في المناورة الحمساوية وهي ان الحركة لم تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع الرغبة الدولية في وقف الحرب ولم تخسر دعم الحلفاء الإقليميين والعالميين بل أعادت تشكيل الاصطفاف الدولي حولها كطرف مسؤول وبراغماتي يدرك متى يرفض ومتى يناور دون أن يقدم أي تنازل جوهري الأكثر من ذلك أن الحركة نسفت بشكل نهائي أي نقاش حول فكرة " إدارة دولية لغزة " أو قوات وصاية وهو ما أعلنه قادة الحركة بوضوح مؤكدين أن إدارة غزة يجب أن تبقى فلسطينية خالصة سواء على المستوى الأمني أو الإداري وهو موقف تقاطع فيه حماس مع غالبية القوى الوطنية الفلسطينية

أما عن مسألة السلاح فقد كان الوضوح هو عنوان موقف المقاومة إذ أكدت أن تسليم السلاح إن حصل سيكون فقط ضمن إطار الدولة الفلسطينية المستقلة أي بعد الوصول الى الحقوق الوطنية وليس قبلها وهو ما يعني بوضوح أن قضية سلاح المقاومة ليست مطروحة حاليًا وأن حماس لن تدخل أي مفاوضات تسلب منها أدوات الردع قبل تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى في مقدمتها إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية

في المقابل هل سيقبل نتنياهو بهذا الواقع الجديد وهل لديه خيار أصلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي المأزوم سياسيًا وشعبيًا يواجه اليوم مفترقًا حاسمًا إما أن يرفض فيظهر كمعرقل للسلام أمام المجتمع الدولي وحتى أمام إدارة ترامب أو يقبل فيتحول إلى مهزوم سياسي منح خصمه الحمساوي "نصف نصر" دون مقابل والقلق الأكبر داخلي إذ يتصاعد الضغط من الشارع الإسرائيلي الذي يعيش استنزافًا نفسيًا وعسكريًا منذ أكثر من عام وبدأ يتململ من فشل الحكومة في استعادة الأسرى أو تحقيق "انتصار نظيف"

المخاطر المحتملة مفتوحة وكثيرة فنتنياهو ليس من النوع الذي يتنازل بسهولة وقد يلجأ إلى استفزاز عسكري جديد لإفشال أي مسار تفاوضي أو إلى تصعيد في جبهات أخرى لتغيير مسار النقاش العام كما أن ترامب نفسه رغم حرصه على نوبل قد يُغير موقفه إن شعر أن المضي في الخطة قد يكلفه دعم اللوبيات الصهيونية المؤثرة ومن هنا فإن الكرة – رغم كل شيء – ما تزال في ملعب نتنياهو لكنه ملعب تحوّل بفعل الرد الحمساوي إلى ساحة ألغام سياسية

أمّا السؤال الأخطر ولذي يتبادر الى اذهان الكثرين هل وقعت حماس فعلًا في فخ ترامب الجواب في الواقع أن كل ما حدث لا يمكن وصفه بفخ بل هي مناورة محسوبة ومبنية على تراكم سياسي جعلت حماس تخرج من خانة "الرفض الدائم" إلى خانة "القبول المشروط" دون أن تدفع الثمن ترامب ظن أنه يمسك بخيوط اللعبة لكنه فجأة وجد نفسه مضطرًا لتأييد خطاب مقاومة والسير خلف موقف طرف كان قبل أشهر مصنفًا كـ"إرهابي" في أدبيات السياسة الأمريكية

في النهاية تكتيك المقاومة لم يكن مجرد رد على خطة بل إعادة تموضع سياسية كبرى لحماس رسخت فيها موقعها الصلب بأنها ليست مجرد فصيل مقاوم بل لاعب سياسي إقليمي يفهم موازين القوى ويستخدمها بذكاء ومع ذلك فإن التحدي المقبل ربما يكون اكبر في تفاصيل المفاوضات والضمانات وحدود التنازلات الممكنة خصوصا وان المشهد لم ينته عند هذه النقطة لكنه حتما دخل مرحلة جديدة عنوانها لا يمكن تجاوز حماس لا في حالة الحرب ولا في السلام ولا محليا ولا دوليا

كاتب وباحث مختص في الشؤون السياسية
[email protected]






عدد المشاهدات : (811)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :