السنيد يكتب: دبلوماسية الولائم، وصناعة النخب


رم -
كتب علي السنيد

ندرة هي الشخصيات العامة المؤثرة في الاردن، والتي يمكن اعتبارها مرجعيات فكرية، او سياسية، او من هم من اصحاب الاتجاهات القادرة على تشكيل الرأي العام، وصناعة التغيير.
ولا تزيد مؤهلات الكثير من الادوات السياسية التي يصار الى تدويرها على المناصب المتاحة سوى باتقان ممارسة دور، ودبلوماسية الولائم، وذلك باعتبارها الوسيلة المثلى للتواصل الاجتماعي، وبناء العلاقات مع الناس.
وبعض هؤلاء اهلك مئات الالاف من الدنانير في العزائم التي اقيمت على شرفه، وضمت النخبة التي تتحرك في انحاء المملكة لهذه الغاية.
وهم بذلك يزيدون من حدة المظاهر الاجتماعية، وتفاقمها، ونادرا ما يبنون وعياً ، او تنويراً، او قيماً في الاجيال، او يتركون بصمة فكرية في حياة شعبهم، او يطلقون تيارات سياسية تخاطب عقل ووجدان المجتمع.
والموائد تكاد ان تكون القاسم المشترك في التحركات ذات الطابع السياسي، والانتخابي، ويتم من خلالها حل وانهاء الخلافات في حال تصارع المواقع.
واصبحت الوسيلة المثلى للتلويح بالمكانة الاجتماعية، والحضور في المشهد العام في حين ان الزعامات الوطنية تفرزها المواقف، والامكانيات الفكرية، والذكاء الاجتماعي، واتباعها لمنظومة القيم السامية التي تعبر عن ضمير الناس.
وانا هنا لا اتحدث عن كرم الاردنيين المشهود ، و المستقى من طيبة نفوسهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وانما عما يدور في اللقاءات العامة التي تجمع الساسة، واعتمادها الولائم باعتبارها الوسيلة المثلى لاختراق المجتمع، فيصار الى تناول الطعام، وتصوير مشهد الحضور، وانفضاض اللقاء العام امام مرأى المجتمع العالق بظروفه المعيشية الصعبة.
وحيث الحضور الاجتماعي يكون قائما من خلال الاحتشاد على الاطعمة ، وليس فيما يرتجى من تقديم الطروحات الفكرية البناءة، ونقد الظواهر الاجتماعية السلبية، واطلاق صافرة التغيير لصالح الناس ومراعاة ظروفهم.
والاصل ان يتوجه الاطعام للمساكين، ويمكن للساسة ان يوجهوا المجتمع لسد حاجة الفقراء ، وعدم تركهم فقط يتابعون اخبار انعقاد الولائم التي تجمع علية القوم على مدار العام.
وقد نحى السياسيون الى تشجيع هذا النمط من بناء العلاقات العامة التي لا تحمل اي مضمون فكري او تقدم رؤية سياسية، او تعزز اتجاها عاما في المجتمع.
واستمرار هذا الحال لا يمكن ان يطور الواقع السياسي في البلاد، او يدفع باتجاه برزو اتجاهات فكرية متنوعة، وتقديم خطاب تنويري من خلال مناقشة القضايا العامة مباشرة، وصناعة شراكة فكرية مع المجتمع، ونخبه للحصول على تصورات اشمل للمشاكل الرئيسية التي تواجه الناس، ووضع الحلول الواقعية لها.
ولا بد من محاورة الاردنيين، والالتقاء بهم، ودفعهم لنقاش عام حول قضاياهم، ومن ثم بناء تفاهمات مشتركة معهم، ومحاولة الوصول الى اجماع وطني حول الاولويات، ولكي يكونوا من صناع السياسة التي تخص مستقبلهم، وبذلك تتولد البرامج التي تنتظم حياة الناس، وتعبر عن ارادتهم، وتفرز المجالس النيابية على اساس هذه البرامج، وتتحول الاغلبية الحزبية الى برامجية، وليست اغلبية تصويتية، وكذلك الحكومات التي تتبنى اتجاهات وتطلعات هذه الاغلبية البرامجية، وتدير مجمل هذه العملية الاحزاب، والاطر، والهيئات العامة في المجتمع المدني.
ونحن علينا ان نطور الية الفعل السياسي، وعملية صناعة النخب، وطريقة مخاطبة الناس، وكيفية بناء الشراكات مع المجتمع على اساس فكري، وان نعمد الى تفكيك حالة المشاعر السلبية المستحكمة، واليأس من التغيير الذي يستبد بالناس، ولكي نطور مجتمعنا، وعاداته وتقاليده بما يراعي روح العصر، والزمن الذي نعيش فيه.
ولا مناص من ان يفرز الحراك الاجتماعي النوعي رموزا فكرية، وثقافية تعيد بناء الوعي العام الذي تحتاجه الدولة في مسيرة تطورها.



عدد المشاهدات : (4100)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :