صرخة الفن الأردني


رم - بقلم: المنتج الأردني عصام حجاوي

منذ عام 1990، ومع بدايات أزمة الخليج التي أغلقت الأبواب أمام الأردن، وجد الفن الأردني نفسه في مواجهة حصار غير معلن. لم يكن الحصار سياسيًا فحسب، بل امتد إلى الأسماء الأردنية التي أصبحت تُواجَه بالمقاطعة أينما ذهبت. ورغم القسوة، ظل الفنانون الأردنيون أوفياء لرسالتهم، يبحثون عن سبل للبقاء، متمسكين بخيط الأمل كي لا تنطفئ شعلة الإبداع.

غير أن ما يؤلم اليوم، بعد أكثر من ثلاثة عقود، أن المعاناة ما زالت قائمة، بل ازدادت. لم تقدّم الحكومات الأردنية دعمًا حقيقيًا لهذا القطاع، بل كبّلته بالرقابة والبيروقراطية، حتى وصلنا إلى عام 2025، العام الأول منذ المقاطعة وحتى الآن الذي يخلو من إنتاج درامي أردني حديث. وهو فراغ ثقيل، ألقى بظلاله على الفنانين الذين ازدادت بطالتهم وضاقت بهم السبل، لتعلو الصرخات من جديد.

لكن الصرخات لا تبني أوطانًا، بل الرؤى العملية هي التي تصنع التغيير. ومن هنا أجدد اقتراحي الذي أنبثق من خبرة طويلة: تأسيس مجلس أعلى للدراما الأردنية، يتكوّن من مبدعين أصحاب كفاءة ونزاهة، تكون مهمتهم الإشراف على العمل الفني من ولادته حتى تسويقه محليًا وعربيًا. ويُخصص لهذا المجلس خمسة ملايين دينار سنويًا، تُنتج من خلالها خمسة مسلسلات عصرية تحمل روح الأردن، وتُسوَّق للقنوات العربية، فيعود الألق، وتُفتح أبواب الاستثمار، وتُستعاد ثقة الجمهور العربي بالدراما الأردنية كما كان شغوفًا بالمصرية والسورية.

على أن يُترك للقطاع الخاص إنتاج المسلسلات التاريخية والبدوية، بعيدًا عن سيف الرقابة غير الموضوعية، وبأسعار عادلة تضمن استمرار عجلة الإبداع. وبهذا التوازن بين القطاعين العام والخاص، نعيد للدراما الأردنية تنوعها وقوتها، ونفتح الطريق أمام الجيل الجديد ليطلق مواهبه المدفونة، ويصنع مستقبله بثقة.

لقد تعب الفنان الأردني من الصرخات، وحان وقت الفعل. فالفنان ابن وطنه، ومن حقه أن يعيش بكرامة، وأن يكون صوته مسموعًا، وفنه حاضرًا، وموهبته جزءًا من هوية هذا البلد.



مسيرة فنية… من عام 1990 حتى اليوم

رحلتنا مع الدراما الأردنية ليست مجرد إنتاجات، بل ذاكرة ممتدة من عام 1990، شهدت ولادة أعمال شكّلت وجدان المشاهد العربي، ورسّخت اسم الأردن في قلب الخريطة الدرامية. فمن حكاية شرقية ورحلة صيد، إلى الأسوار وقلوب لا تعرف الرحمة، وصولًا إلى العقاب والعفرا والخوابي ونوف وصبر العذوب، كانت كل محطة علامة فارقة، تحمل قصصًا من لحمنا ووجداننا.

لقد قدّمنا عبر العقود أكثر من ثمانين عملًا ما بين المسلسلات البدوية والتاريخية والعصرية والكوميدية والوثائقية، تعاونّا فيها مع كبار المخرجين والممثلين الأردنيين والعرب، فكانت أعمالنا تُعرض على شاشات عربية مرموقة، وتحمل اسم الأردن عاليًا في المهرجانات.

هذه المسيرة، الممتدة من مطلع التسعينيات وحتى اليوم، لم تكن مجرد إنتاج، بل كانت إصرارًا على البقاء، ووفاءً للفنان الأردني الذي نذر حياته للإبداع رغم كل الظروف. واليوم، ونحن نكتب عن صرخة جديدة، لا نتحدث من فراغ، بل من خبرة وتجربة تراكمت عبر عقود، ما زالت مستمرة بفضل الله، وستبقى مستمرة ما دام فينا نفس، وما دام في الأردن فنان يصرّ أن يقول: نحن هنا، وهذا فننا، وهذه هويتنا.




عدد المشاهدات : (4251)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :