رم - هل خطر ببالك يومًا أن كيسًا شفافًا يشبه قنديل البحر في حلمك، أو ركضك العشوائي في صحراء أو ملعب كرة، أو حتى ظهور شخصيات عالمية في منامك، ليس وليد الخيال الصرف؟ بل ربما كان الهاتف، بهدوئه الماكر، هو المُخرج للمشاهد المتداخلة، بعد أن تسلل ضوء شاشته أو إشعاعه الخفي إلى ساحة الأحلام.
ففي زمنٍ باتت فيه التكنولوجيا متغلغلة في تفاصيل الحياة اليومية، لم يعد الهاتف مجرد وسيلة تواصل أو مصدر معلومات، بل تحوّل إلى رفيق لا يفارق صاحبه، حتى في أكثر اللحظات خصوصية "وقت النوم".
عبث بالوعي الليلي
رغم غياب دليل علمي قاطع يربط بين إشعاعات الهواتف المحمولة وتغيّر طبيعة الأحلام، فإن دراسات وأبحاثا عدة أشارت إلى علاقة محتملة بين قرب الهاتف من الدماغ في أثناء النوم، وتأثر النشاط العصبي والذهني في مراحل النوم المختلفة، فالترددات الراديوية، رغم كونها غير مؤيّنة، قد تؤدي إلى تسخين خفيف في الأنسجة الدماغية، وربما تُحدث اضطرابًا في راحة النوم وتعبث في الأحلام، بناء على المحتوى المرئي أو التفاعلي قبل النوم مباشرة.
بين الواقع والمحتوى
كما أكدت مصادر طبية في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن الأمر لا يتعلق فقط بالإشعاعات أو الضوء الأزرق المنبعث من الشاشة، بل أيضًا بطبيعة العلاقة النفسية التي نشأت بين المستخدم وجهازه، هذا الارتباط، الذي يشبه إلى حدّ بعيد "الإدمان"، جعل الهاتف امتدادًا للذات، ما يُعزز حضوره في الأحلام كما في الواقع.
ووفقًا لتحليلات نفسية من المصادر ذاتها، فإن كثافة التفاعل العاطفي أو المعلوماتي قبيل النوم تُحمّل الذاكرة قصيرة المدى حملاً زائداً، يطفو لاحقًا على شكل أحلام متداخلة أو متقطعة، ما دفع أطباء متخصصين في علم الأعصاب بتوجيه النُصح بضرورة إبعاد الأجهزة الذكية عن أماكن النوم، ولو بمسافة مترين على الأقل، وتجنب استخدامها قبل ساعة من النوم في أقل تقدير، لا من باب الراحة البصرية فقط، بل للحفاظ على صفاء الذهن وتنظيم الإيقاع البيولوجي الطبيعي للدماغ، ما قد يحوّله من وسيلة مساعدة إلى عامل اضطراب خفي، يتسلل إلى الأحلام دون استئذان.
الهاتف الخلوي ودورة النوم
في تعليقها، أكدت الدكتورة نيفين حسني، استشاري علم النفس الرقمي وعضو الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن تأثير الهاتف الخلوي على الأحلام يرتبط باستخدامه قبل النوم وعند الاستيقاظ، إذ يُضعف انتظام دورة النوم ويحول دون الدخول في مراحل النوم العميق، موضحة أن العقل يحتاج إلى فترة انتقالية خالية من المؤثرات الرقمية لا تقل عن ساعة قبل النوم وبعد الاستيقاظ، لضمان توازن الذهن والجهاز العصبي، وفق تعبيرها.
ونوّهت بضرورة إبعاد الهواتف والشاشات عن غرف النوم، مشيرة إلى أن المحتوى الذي يراه المستخدم قبل النوم يُخزن في العقل الباطن ويظهر لاحقًا في الأحلام، ليس كأحلام فعلية بالضرورة، بل كصور ذهنية أو "حديث نفس" ناتج عن تفريغ العقل لما تلقّاه من مؤثرات قبل النوم، على حد قولها.
ورغم غياب دلائل علمية قاطعة، فقد أكدت الدكتورة نيفين احتمالية تأثير الهواتف الخلوية في صحة مُستخدميها عمومًا، وتأثيره في النوم حسب طبيعة الاستخدام وقرب الجهاز من الرأس، ونصحت بإبعاده عن السرير، أو استخدام "الوضع الليلي" أو "وضع الطيران"، مع وضع الشاشة للأسفل، للحد من أثره على جودة النوم والأحلام.