منعطف أوروبي: موجة اعترافات متسارعة بفلسطين تقابلها ترددات


رم -

فرنسا والبرتغال ولوكسمبورغ ومالطا تنضم إلى ركب المعترفين بفلسطين
بلجيكا: اعتراف مشروط مرتبط بالمحتجزين واستبعاد حماس من الحكم
اعترافات الثمانينيات بفلسطين ما زالت قائمة… لكن هنغاريا والتشيك تراجعانها
كالاس: الاعتراف قرار فردي للدول لكنه يرسل رسالة أوروبية قوية
فون دير لاين: حل الدولتين السبيل الوحيد للسلام… والاتحاد يجب أن يبقى موحّدًا
دول مرشحة للاعتراف: كرواتيا، وفنلندا، واليونان في دائرة التوقعات

يشهد ملف الاعتراف بدولة فلسطين منعطفًا لافتًا في السياسة الأوروبية. فما بين موجة اعترافات متسارعة خلال العامين الأخيرين، وتردد دول كبرى في الإقدام على الخطوة نفسها، تبرز صورة أوروبية معقدة تعكس مزيجًا من الحسابات التاريخية والسياسية والإنسانية.

ومنذ عام 2024، تسارعت وتيرة الاعترافات الأوروبية، إذ بادرت كل من إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين في أيار من ذلك العام، لتلحقها فرنسا ولوكسمبورغ ومالطا في أيلول 2025 بإعلان رسمي من نيويورك، بينما اعترفت البرتغال قبلها بيوم واحد فقط.

أما بلجيكا فقد تبنّت موقفًا مؤيدًا للاعتراف وأعلنته رسميا، لكنها ربطت دخوله حيز النفاذ بشروط واضحة، على رأسها إطلاق سراح المحتجزين واستبعاد حركة حماس من الحكم في غزة وإصلاحات في السلطة الفلسطينية.

إلى جانب هذه الموجة الحديثة، تظل السويد أول دولة في الاتحاد اعترفت بفلسطين في أثناء عضويتها عام 2014، فيما سبقتها دول أوروبية شرقية في الاعتراف عام 1988، قبل انضمامها إلى الاتحاد: بولندا ورومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا وقبرص. هذه الاعترافات ما زالت قائمة رسميًا، رغم أن بعضها لم يُترجم إلى خطوات عملية متقدمة.

وبذلك يصل عدد الدول الأعضاء التي تعترف اليوم بفلسطين إلى 16 من أصل 27، رغم بقاء بعض الاعترافات القديمة موضع جدل، كما هو الحال في المجر والتشيك.

هنغاريا والتشيك: اعترافات قديمة… وتشكيك جديد

تُعد هنغاريا والتشيك من بين الدول التي اعترفت بفلسطين في عام 1988، لكن حكوماتهما الحالية تعيد النظر في تلك الخطوة.

فبودابست تعتبر أن الاعتراف فقد معناه السياسي ولا تنوي تفعيله في الظروف الراهنة، بينما تصر براغ على أن الاعتراف يجب أن يكون ثمرة مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وترفض المضي في اعتراف أحادي.

هذه المواقف تضع البلدين في خانة "الاعترافات التاريخية غير المفعّلة"، وهو ما يفسر الجدل حول عدد الدول الأوروبية التي يمكن احتسابها في خانة المعترفة رسميًا.

* دول لم تعترف بعد

رغم اتساع دائرة الاعتراف، ما تزال 11 دولة أوروبية مترددة أو رافضة. لكل منها دوافعها الخاصة:

ألمانيا: تتحفظ برلين بشدة على الاعتراف، مستندة إلى موروث تاريخي ثقيل مرتبط بالهولوكوست ومسؤوليتها الخاصة تجاه أمن إسرائيل. ترى الحكومة الألمانية أن الاعتراف الآن قد يقوّض فرص التفاوض، وتصر على أن الدولة الفلسطينية يجب أن تكون نتاج اتفاق شامل.

إيطاليا: تتبنى خطابًا سياسيًا حادًا، حيث وصف وزير الخارجية الاعتراف بدولة غير قائمة على الأرض بأنه "هدية لحماس". روما ترى أن الاعتراف الأحادي يُضعف مسار السلام بدل أن يقويه.

النمسا: تميل إلى تبني الموقف الألماني، إذ تؤكد أن أي اعتراف ينبغي أن يكون منسقًا أوروبيًا أو دوليًا، لا خطوة منفردة.

هولندا: تؤكد دعمها لمبدأ حل الدولتين، لكنها ترى أن "التوقيت غير مناسب"، وأن الاعتراف لن يغير من واقع الاحتلال أو يعزز فرص التفاوض.

الدنمارك: البرلمان رفض مقترحًا للاعتراف عام 2024، والحكومة تعتبر أن الاعتراف لا يساهم في حل النزاع ما لم يأتِ ضمن اتفاق سياسي.

فنلندا: تشهد انقسامًا داخليًا، إذ أعلن الرئيس انفتاحًا على الاعتراف إذا توافرت ظروف معينة، بينما ترفض الحكومة اتخاذ الخطوة الآن وتعتبرها سابقة لأوانها.

إستونيا ولاتفيا وليتوانيا: دول البلطيق الثلاث متحفظة بشدة، مدفوعة بارتباطها الوثيق بالولايات المتحدة ومخاوفها الأمنية من روسيا. وترى هذه الدول أن الاعتراف لن يغير الوضع الميداني وأن الأولوية هي الحفاظ على وحدة الموقف الأوروبي.

اليونان: رغم تصويت البرلمان في 2015 لصالح الاعتراف، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تترجم ذلك إلى قرار رسمي، خشية تعقيد علاقاتها مع إسرائيل.

كرواتيا: تشهد نقاشًا داخليًا متصاعدًا، حيث تدفع الرئاسة باتجاه الاعتراف، بينما لم تتخذ الحكومة بعد موقفًا ملزمًا.

* تصريحات قادة أوروبا: بين الانفتاح والتحفظ

تصريحات قادة الاتحاد تكشف جوهر الانقسام. كايا كالاس، الممثلة العليا للسياسة الخارجية، أكدت من نيويورك أن الاعتراف بفلسطين هو قرار سيادي فردي يعود لكل دولة عضو، ولا يمكن أن يُفرض من بروكسل.

لكنها شددت على أن "غالبية الدول الأوروبية الآن باتت تعترف بفلسطين"، معتبرة أن هذه الاعترافات المتزايدة تبعث رسالة واضحة بدعم حل الدولتين. وأشارت كالاس إلى أن "الوضع في غزة فشل إنساني مدمّر"، مؤكدة أن الاعتراف السياسي والدعم الإنساني مساران متكاملان.

في المقابل، تميل أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى خطاب أكثر تحفظًا. فهي تكرر أن "حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام"، لكنها تتجنب الدعوة الصريحة إلى اعتراف جماعي، مفضلة أن يبقى القرار بيد كل دولة عضو. ويعكس موقفها حرص المفوضية على الحفاظ على وحدة الاتحاد وتجنب انقسام داخلي حاد.

ولم تأتِ الاعترافات الأوروبية الأخيرة بمعزل عن موجة دولية أوسع. فبالتزامن تقريبًا، اعترفت بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين، وهو ما أضفى بعدًا عالميًا جديدًا على القضية، وزاد من عزل إسرائيل سياسيًا.

هذه التطورات تضع أوروبا في قلب معادلة دولية جديدة، حيث يتحرك الغرب تدريجيًا نحو الاعتراف، رغم استمرار التباينات.

* ردود فعل فلسطينية وإسرائيلية

الفلسطينيون رحبوا بحرارة بالاعترافات الأوروبية، واعتبروها انتصارًا دبلوماسيًا ورسالة تضامن مع حقهم في تقرير المصير. ووصفت السلطة الفلسطينية الخطوات بأنها "نقطة تحول في مسار الصراع"، بينما اعتبرتها الفصائل الفلسطينية دعمًا سياسيًا يجب أن يتبعه ضغط لإنهاء الاحتلال.

إسرائيل من جهتها أدانت بشدة هذه الاعترافات، ووصفتها بأنها "خطأ جسيم" و"تشجيع للإرهاب". الحكومة الإسرائيلية شددت على أن الاعتراف لن يغير شيئًا على الأرض، وأن أي دولة تقدم على هذه الخطوة تضعف فرص المفاوضات وتمنح "شرعية زائفة" للسلطة الفلسطينية.

* هل هناك دول مرشحة للاعتراف قريبًا؟

المؤشرات الحالية تُظهر أن كرواتيا أقرب المرشحين، بحكم دعم الرئاسة الواضح للاعتراف. فنلندا أيضًا قد تُقدم على الخطوة إذا تمكن الرئيس من حشد دعم حكومي داخلي.

أما اليونان، فهي مرشحة محتملة نظرًا لتصويت البرلمان السابق، لكن الملف يظل معقدًا بسبب العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل.

ويكشف المشهد الأوروبي اليوم عن انقسام بين كتلة مؤيدة للاعتراف وكتلة متحفظة تنتظر تسوية سياسية شاملة. ومع أن الاعترافات الأخيرة من باريس ولشبونة وبروكسل ولوكسمبورغ وفاليتا منحت القضية الفلسطينية زخماً غير مسبوق، إلا أن الطريق نحو موقف أوروبي موحّد ما يزال بعيدًا.

تصريحات كالاس أوضحت أن الاعتراف قرار فردي، لكن تراكم هذه الاعترافات بات يشكل قوة سياسية ضاغطة، أما فون دير لاين فحرصت على إبقاء الاتحاد متماسكًا، حتى لو كان على حساب غياب موقف جماعي.

وبينما يرحب الفلسطينيون بهذه الخطوات باعتبارها مكسبًا سياسيًا، تواصل إسرائيل رفضها واعتبارها تهديدًا لمفاوضات السلام.

وفي المحصلة، يمكن القول إن الاعترافات الأوروبية الأخيرة وضعت القضية الفلسطينية في قلب المشهد الدولي مجددًا، لكنها أيضًا أظهرت أن أوروبا، رغم قوتها، ما تزال منقسمة بين الحذر والدفع نحو الاعتراف.




عدد المشاهدات : (4253)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :