يا قادة العرب: ليست العبرة بالخطب، بل الردع بالردع .. فهل تمتلكون إرادة صناعة القوة؟


رم - أحمد عبدالباسط الرجوب

يا قادة العرب: ليست العبرة بالخطب، بل الردع بالردع.. فهل تمتلكون إرادة صناعة القوة؟

في أعقاب القصف الصهيوني الغاشم للعاصمة القطرية الدوحة، لم يعد الخطر مجرد تهديد عابر، بل أصبح استهدافاً صريحاً للأمن العربي بأكمله. هذا العدوان الذي يتخطى كل الحدود هو حلقة جديدة في سلسلة التوسع الصهيوني الذي لا يتوقف. لقد حان الوقت لرد عربي موحد يتجاوز الشجب والاستنكار، نحو فعل استراتيجي يحمي سيادة الدول العربية واستقرارها. ففي الموازين الجيوسياسية، لا يقابل الردع إلا الردع.

يأتي هذا العدوان في ظل أوضاع إقليمية بالغة التعقيد، تعيد فيها دولة الكيان الصهيوني تشكيل خريطة المنطقة بالقوة، مستغلة الانقسامات العربية، ومعتزة بامتلاكها ترسانة نووية تمنحها غطاءً للعدوان، ومعتمدة على دعم غير محدود من الحليف الأمريكي. هذا الدعم الذي يمنح "إسرائيل" غطاء دولياً وشعوراً بالإفلات من العقاب، يشجعها على مواصلة عدوانها دون خوف من العواقب. لم يعد الخطر مقتصراً على فلسطين المحتلة، بل امتد ليهدد الملاحة البحرية وأمن الدول المجاورة واستقرار العواصم العربية.

لمواجهة هذا التحدي المصيري، يجب الانتقال من الدفاع إلى الردع الجماعي. إنشاء قوة عربية مشتركة لم يعد خياراً بل ضرورة حتمية. والحق أن الجيوش العربية لديها من الأفراد المدربين والكفاءات ما يؤهلها لهذه المهمة، لكن خبراتها القتالية تتباين؛ فبينما خاض بعضها حروباً وتصدى لعدوان، حافظ آخرون على استعدادهم دون اختبار حقيقي في ميدان المعركة. هنا تبرز الحاجة إلى توحيد هذه الجهود وتبادل الخبرات، مع الاستفادة من الدول التي لديها تراث قتالي مشرف:

· فالجيش الأردني يحمل خبرة عملية وتاريخاً مشرفاً تجسد في معركة الكرامة عام 1968، عندما وقف بصلابة أمام العدوان الإسرائيلي وكبده خسائر فادحة، محققاً ملحمة عسكرية أعادت الثقة للجندي العربي.

· أما مصر فتمتلك أكبر قوة بشرية عسكرية في المنطقة، بتجربة قتالية هائلة تجلت في حرب أكتوبر 1973، عندما أظهرت القوات المسلحة المصرية قدرة استثنائية على التخطيط وتنفيذ العمليات المعقدة، محطمة أسطورة الجيش الذي لا يقهر.

وهذا يطرح سؤالاً مصيرياً: كيف يمكن بناء قوة رادعة في ظل اختلال ميزان القوى النووي لصالح العدو؟ هنا تبرز الحاجة الملحة لاستراتيجية عربية إسلامية للردع الاستراتيجي، حيث أن باكستان -كقوة نووية إسلامية - هي الشريك الاستراتيجي الطبيعي الذي يجب توظيف هذه القوة لمصلحة الأمة جمعاء في مواجهة العدوان الإسرائيلي والدعم الأمريكي غير المحدود له.

بالتوازي مع ذلك، يجب العمل على تنويع مصادر السلاح بشكل جذري، فامتلاك أحدث الطائرات الأمريكية (مثل F-35) يبقى ناقصًا إذا ظلت "شيفرة" تشغيلها وتفعيلها بأيدي واشنطن، مما يجعلها خردة حديدية عديمة الفائدة إذا قررت واشنطن تعطيلها في اللحظات الحاسمة. يجب أن تسير سياسة تنويع السلاح يداً بيد مع نقل التكنولوجيا والتصنيع المحلي لضمان السيادة الكاملة على القرار والقدرة العسكرية.

يكتمل هذا المشروع باستراتيجية متكاملة تجمع بين الخبرات العسكرية والإمكانيات المالية:

· حيث تقود مصر مسار تنويع مصادر السلاح من خلال خبرتها في بناء التحالفات العسكرية وتطوير الصناعات الدفاعية المشتركة مع دول أوروبية وآسيوية متعددة، مما يضمن عدم التبعية لأي طرف دولي واحد ويحافظ على حرية القرار الاستراتيجي.

· بينما تقدم دول مجلس التعاون الخليجي دعماً مالياً ولوجستياً ضخماً، من خلال تمويل مشاريع التسلح المشتركة وإنشاء البنى التحتية للقواعد العسكرية وتغطية التكاليف التشغيلية، مما يخلق توازناً مثالياً بين القوة البشرية والخبرة القتالية من جهة، والإمكانيات المالية واللوجستية من جهة أخرى.

رغم التحديات الداخلية، فإن الاستهداف الصهيوني للدوحة يذكرنا أن الخطر الخارجي لا يميز بين دولة عربية وأخرى. إن روح معركة الكرامة وحرب أكتوبر كانتا تتعاليان فوق الخلافات، والمصير المشترك اليوم يجب أن يكون أقوى من أي خلاف.

إن القصف الإسرائيلي للدوحة نداء إيقاظ للإرادة العربية. الدعم الأمريكي المطلق لدولة الكيان الصهيوني يفرض على العرب مسؤولية الاعتماد على الذات. إن تشكيل قوة عربية مشتركة مدعومة باستراتيجية ردع متكاملة تجمع بين خبرة مصر في بناء التحالفات وتنويع السلاح، وقوة التمويل الخليجي، وصلابة الجندي الأردني والمصري، وبناء شراكات استراتيجية مع القوى النووية الإسلامية، لم يعد خياراً بل ضرورة وجودية.

هذا المشروع لن يكون مجرد جيش موحد، بل سيصبح مشروعاً عربياً استراتيجياً يعيد تعريف معنى الأمن القومي المشترك. إنه استثمار في السيادة والكرامة، ورسالة واضحة للعالم بأن أمن المنطقة سيكون بقرار أبنائها، وسيدافع عنه بسلاحهم وإرادتهم الجماعية. لقد حان الوقت لتحويل دروس الماضي إلى استراتيجية مستقبلية لا تقبل المساومة.
فهل تمتلكون إرادة صناعة القوة؟

باحث ومخطط استراتيجي - الاردن



عدد المشاهدات : (4380)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :