الملك عبدالله الأول المؤسس:حكاية إنصاف للأمير الحسن


رم -

بقلم أ.د. لؤي بواعنة

لقد أصاب الأميرالحسن كبد الحقيقة حينما أشارفي لقاءٍ مع أحد الإعلاميين إلى الظلم السياسي الذي لحق بجده الملك عبدالله،وبأخيه الملك حسين بن طلال رحمه الله،وبأبيه الملك طلال صانع الدستور،الذي تحققت في عهده إنجازات عديدة أسهمت في بناء الدولة الأردنية الحديثة.

هذا الظلم والتشويه المقصود هوما قاد لعدم إنصافهم تاريخيّا،لأسباب عديدة.ولعل هذه المقالة البسيطة تحاول التعريج على هذا الموضوع،كجزء من محاولة إنصاف الملك عبدالله الأول مما لحق به من ظلم وتشويه لصورة مشاريعه الوحدوية وسياسته الواقعية،وخاصة تجاه القضية الفلسطينية.وإن كانت مقتضبه،إلا أن الآمل أن تتبعها مقالات أخرى تحاول الدفاع عنه وإظهارالحقيقة وتعرية كل من ظلمه من زعماء العرب المعاصرين له،وللأسف من تبعهم من بعدهم،دون تمحيص في التاريخ.لقد كان للعواطف والتاريخ المشوه وعدم الدقة في قراءة الوقائع دوررئيس في كل ذلك.وأعتقد جازما أن هذه السياسة الإعلامية الموجه لعدم إنصافهم جميعا،ومحاولة تشويه التاريخ بحقهم،إنما هي سياسة ممنهجة من جهات ودول بعينها استهدفت الهاشميين.والسبب واضح:لأنهم أصحاب مشروع عربي وطموحات وحّدوية،بينما لم يكن عندغيرهم شيء يقدمونه للأمة.

أولَّا:العاطفة بدل الوثيقة

للأسف الشديد،فإن كثيرين لم يستندوا في إصدارأحكامهم على القادة والزعماء إلى الوثائق التاريخية، والمصادر الرصينة،بل حكمتّهم العاطفة وسيّرتهم لغة القوة السائدة،بل بشكل أدق:القوة الإعلامية التي كانت تتحكم في صياغة التاريخ آنذاك.فالدولة الأكثرقوة إعلامّيا هي من تصوغ الرواية،لا الدول البسيطة والأقل قدرة في التأثيرعلى الأعلام .وهذا ما كان ينقص الأردن في تلك الفترة. وكلنّا يعلم الدول التي كانت تشكل مركز الثقل في العالم العربي آنذاك .

ثانيا : المنافسة السياسية

أعتقد أن هناك سببا آخرأكثرأهمية حرّك ذلك التاريخ المُشوّه،وهو عامل المنافسة السياسية.فقد ولّد الكره والبغض والغيرة،وكان لطبيعة الأحلام الشعاراتية المعاكسة للغة الواقعية الهاشمية دوركبير في محاولة التصدي لكل مشروع وموقف هاشمي.ولهذا كلهِ كانوا يعمدون إلى تشويه صورة الآخر وإبرازلغة التخوين دائما وأبدا مهما قدّم من مشاريع وتضحيات.وقد لعب بعض الزعماء وبعض الدول العربية هذا الدور،وفي مقدمتهم الأنظمة السياسية في مصروسوريا،إذ سعوا إلى تشويه صورة الملك عبدالله الأول،وحاولوا استمالة بعض الزعامات الفلسطينية لذلك،ونجحوا إلى حد ما. ،فقد كان هناك تيارعريض معادي للأمير[الملك ]عبدالله الأول،تقودة مصروسوريا وعدد من الدول العربية التي كانت ترى فيه منافسا لها،ومعارضا لأهدافها،ولهذاعارضوا كل توجهاته وسياساته، سواءً الوحدوية أوالمتعلقة بالقضية الفلسطينية،وكان السبب بسيطا: لم يكن لديهم مشروع يقدمونه ،فوقفوا موقف الناقد المشوه فقط،ليظهروا وكأنهم الأكثرحرصا على فلسطين،وأهلها وعلى القومية،في حين أن الحقيقة هي العكس.

ثالثا : العلاقة مع الإنجليز

والسبب الثالث لظلمه وعدم إنصافه متعلق بعلاقته بالإنجليز،وبراعته وذكائه في التعامل مع خبثهم وهيمنتهم .لقدعاش الأردن،كسائرالدول العربية التي كانت تحت الانتداب أوترتبط بمعاهدات مع بريطانيا،ظروفا صعبة للغاية من حيث الأوضاع المالية وضعف التسليح،وكانت السيطرة كلها للدول الكبرى .لقد كان الأميرعبدالله دبلوماسيا في سياسته مع بريطانيا،وتمكّن من استيعابهم ولكنه لم يكن مطيعّا لهم ولامُمالئا لهم كذلك،بل كان واقعيا في سياسته تجاه القضايا العربية .ومن يملك من الوثائق التي تخالف ذلك فليقدمها.وإن ارتكبت حكومة من حكوماته خطأ فليحاسب التاريخ تلك الحكومة دون محاسبته هوشخصيا،لأن الحكومات فيها القوي وفيها الضعيف،وفيها من يخضع لضغوطات الإنجليز،وكان توفيق أبوالهدى أبرزهم،إذ كان أقرب رؤساء الحكومات من الإنجليز ومسموع الكلمة عندهم.

رابعا: حادثة النقب

سأعرض لحادثة واحدة فقط ،وقعت بعد أنتهاء المرحلة الأولى من حرب فلسطين،وحدوث الهدنة الأولى والثانية،حيث استكمل اليهود خططهم التوسعية بإحتلال جنوب فلسطين وخاصة منطقة النقب التي تعادل 40 % من مساحة فلسطين التاريخية،حيث كانت القوات المصرية هي التي تسيطرعلى تلك الجبهة ومع ذلك تمكنت إسرائيل من احتلالها. إنصافا للتاريخ،فقد كان الملك عبدالله الأول قد أوصى كلوب باشا قائد الجيش بإرسال قوة كافية للحيلولة دون إحتلال النقب من قبل اليهود.وبرز ذلك من خلال عتاب حاد وجّهه الملك لكلوب رصده علي أبونوارفي مذكراته،وقد كان الملك واضحا وصريحا في تحميل كلوب مسؤولية التقصير،وأبعد نفسه تماما عن التقصيرويكفي للتأكيد على موقفه أن نذكررفض كلوب إدخال الجيش العربي إلى القدس بحجج وذرائع، فما كان من الملك إلا أن أمربدخوله رغمّا عنه،وكان له ما أراد من الحفاظ على القدس الشرقية،وهوما لم يقم به جيش عربي آخر،وللأسف لم تسلط بعض الجهات الضوء على هذه الحقيقة المضيئة.

خامسا : شهادة علي أبو نوار

يقول علي أبونوارفي مذكراته،حين تلاشى العرب،حيث كان شاهداعلى الحدث حينما جاء من ردوس حيث انعقاد لجنة المفاوضات والهدنة عام 1949م هناك،والتي كان عضوا فيها،لمقابلة الملك عبدالله،لإخباره بحقيقة الوضع وصعوبته :’’شرحت لجلالة الملك بتركيزواختصارمنذ باشرنا المفاوضات حتى مغادرتي رودس،وذكرت له ضرورة إشراك وفدعراقي بمفاوضات الهدنة.قال جلالته: إما أن يشترك العراقيون أوأن يبقون قواتهم لنلقى مصيرا واحد.حتى هذه اللحظة لم يستجيبوا لنا . فوزي باشا خذ معك علي إلى أريحا ليسمعوا منه مدى خطورة الوضع.السفير الراوي ورئيس الأركان العراقي موجودان الآن في القصر الأبيض .نهضنا للذهاب ..في تلك اللحظة وصل كلوب باشا.وبعد أدائه التحية أستأذن الملك في حديث خاص،فأخذه إلى غرفة وأغلق بابها. وبعد دقائق أخذت الأصوات تصلنا من الغرفة ولكنها أصوات غيرمفهومة،وفجأة خرج جلالة الملك وقد احتقن وجهه وكسته سحابه من الغضب والأسى وأنفجر قائلا:" قلت له قبل نزول اليهود إلى خليج العقبة أن ترسل قوة كافية للدفاع عن النقب،فأرسل سرية وقلل من احتمال غزو اليهود للنقب.الآن ذكرته بهذا القصور فيجيبني بأن المصريين أثناء المفاوضات في رودس حرّضوا اليهود على أخذ النقب حتى لا يأخذها الملك عبدالله ". " قلت له لا أصدق.حتى لو كل ما تقوله صحيحا،فإن واجبك أن ترسل قوة كافية . لكن من نقل لك كلام المصريين وهم في رودس وأنت في عمان. ؟ .....كان الله في عوننا .اليهود من جهة وقرارالعراق من جهة وفوق هذا الإنجليز.هيا يا فوزي باشا خذ علي معك وأرجو لكما التوفيق ".

بهذا الموقف الحازم وغيره،تتضح حقيقة سياسة الملك عبدالله الأول،وحرصه على الأمة العربية ،خلافا لما صوّره الإعلام الموجَّه آنذاك .




عدد المشاهدات : (4764)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :