لعبة أمم جديدة


رم - د. روان سليمان الحياري



تشهدُ الساحة الدولية 2025 ، تحولاتٍ اقتصادية عميقة، ذات انعكاسات سياسية واستراتيجية، تتجاوز حدود الأسواق المالية إلى خطوط تماسٍ سياسية، تُدار فيها معارك النفوذ بوسائل مالية ونقدية، لا تقل خطورة عن السلاح، وتتشابك فيها مؤشرات الأسواق مع خرائط التحالفات، وتعيد تشكيل التوازنات الكبرى، وتبرز تساؤلات مصيرية، حول دور القوى الإقليمية والدولية في بنية وشكل النظام العالميّ الجديد.

التحديات التجارية التقليدية -كتلك على الرسوم الجمركية، أو فائض الميزان التجاري، لم تعد هي الأساس، -على أهميتها الحالية- بل أصبحت تسابقاً مفتوحاً على قيادة الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل التوريد العالمية الحديثة. يسعى فيها كل طرف، لفرض معاييره على العالم، وتحويل التفوق الاقتصادي إلى مكاسب سياسية واستراتيجية، فيما يتقدم الذهب -في هذا السياق- كملاذ آمن، وبديل للأدوات التقليدية مع كل هزة.

الطاقة، تحتفظ بمكانتها كورقة ضغط مركزية، في الأسواق العالمية، وفي إعادة رسم أولويات القوى الكبرى. فتصاعد التكتلات الصلبة العابرة للقارات، وتقارباتها التي لا تبدو ظرفية، تأسس لبناء شبكات بديلة للتجارة والتمويل، وتعكس اتجاهًا عبرالاقتصاد والسياسة، كأمر واقع أو نتيجة حتمية، وتحاول رسم خريطة العالم على أسس مختلفة عن تلك التي سادت منذ الحرب الباردة.

أما الاقتصادات الصغيرة والنامية فتحدياتها متنامية ومختلفة، كما هي فرصها، فبالرغم من هشاشة بنية الإنتاج فيها، والاعتماد على الديون، والتأثر بتقلبات الأسواق العالمية، التي تفرض واقع محدودية القدرة التفاوضية، إلا أن الاستثمار -الى الآن- يبقى واعداً في قطاعات، كالتكنولوجيا والتحول الرقمي والطاقة المتجددة -في السلم والحرب-.

إنّ مثل تجارب فيتنام في جذب سلاسل الإمداد، ورواندا في بناء اقتصاد المعرفة والتقنيات الناشئة، تظهر قدرة هذه الدول على تحويل القيود إلى مكاسب استراتيجية، وفتح آفاق شراكات اقتصادية، تفرض معها واقع سياسي وأمني مختلف، وتدعم بأثرها البنى المجتمعية، وتمأسس لاستدامة التنمية. هو ذا ما نتطلع له كأردنيين، في المرحلة الثانية من خطة التحديث الاقتصادي، حزمة مشاريع وشراكات استراتيجية داخلية وعالمية، عملية ومباشرة، -على المدى القريب والمتوسط والاستراتيجي- تستثمر في رأس المال البشري والموارد المتاحه، بأهداف مرحلية، ومؤشرات أداء، قابلة للتنفيذ والقياس، ومرتبطة بجداول زمنية، تعزز بيئة الاستثمار، وتواجه مستويات التضخم، ويلمس معها المواطن أثراً مباشراً في فرص تحسين معيشته، ومستقبل أبنائه.

في هذا كله، يجد العالم نفسه الآن أمام اختبارٍ حقيقي: فهل يتحول الاقتصاد إلى أداة لإدارة التوازنات بسلام، أم وقود يشعل نزاعات جديدة؟ تكون فيه الأسواق ساحات، والمستهلك ورقة ضغط، في لعبة أمم -بمعطيات جديدة- تتشكل ملامحها أمام أعيننا.



عدد المشاهدات : (5975)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :