الشباب الاردني : من ديكور الاصلاح الى كتلة التغيير ؟


رم -
الدكتور ليث عبدالله القهيوي

شهد الأردن مسارًا متدرّجًا لتحديث منظومته السياسية توج بإقرار قانوني الانتخاب والأحزاب لعام 2022. أعادا هذان القانونان هندسة جزء معتبر من المشهد عبر تخصيص 41 مقعدًا حزبيًا على القوائم العامة من أصل 138، وخفض سنّ الترشح إلى 25 عامًا، واشتراط تمثيل للشباب والنساء داخل القوائم والبُنى الحزبية بحدّ أدنى 20% لكل منهما عند التأسيس. وكانت انتخابات أيلول/سبتمبر 2024 أول اختبار واسع لهذه الصيغة ، إذ بلغت نسبة المشاركة نحو 32%، وتقدّم حزب ذو خلفية إسلامية بعدد لافت من المقاعد، تلاه أحزاب حديثة ترفع شعار “البرامجية”. ومع تقدير الجهد التشريعي، يبقى السؤال مشروعًا: هل نُقل الوزن الفعلي للقرار إلى الأحزاب والبرلمان، أم أننا أمام تحسينات شكلية لا تمسّ صلب السلطة السياسية؟

ليس من الإنصاف تحميل القوانين وحدها مسؤولية ضعف المشاركة. فالفئة العمرية 15–24 تشكّل قرابة 20% من السكان، فيما تلامس بطالة الشباب 42% عام 2024، مقابل بطالة عامة تقارب 23%. هذه الأرقام تترجم إلى أولوية معيشية تسبق الانخراط السياسي ، بل تجعل تكلفة الانخراط الحزبي زمنًا ومخاطرةً مرتفعة على الشباب. كما أن انتشار العمل غير المنظم وضيق القدرة المالية يحدّان من التطوّع والعمل العام طويل النفس.

على الورق، عالجت التشريعات فجوة التمثيل بآليات واضحة: وجود شاب/ة ضمن المراتب الخمس الأولى في القوائم العامة، وكوتا نسائية بواقع 18 مقعدًا، وتمويل عام مرهون بمعايير تمثيل وتمكين. لكن على الأرض، تتحوّل بعض هذه الآليات إلى حدٍّ أدنى يُستوفى شكليًا أكثر من كونه منصة تمكين فعلي. فقد وُضِع بعض الشباب في مواقع متقدمة لاستكمال الشرط فقط بينما يبقى صنع البرنامج وإدارة الحملة والتفاوض البرلماني بيد أطراف متمرّسة. ، ولا يساعد على تبدّد هذه الريبة أن استطلاعات الثقة تُظهر أن أقل من خمس الأردنيين يعبّرون عن ثقة قوية بالبرلمان ، لا عجب إذًا أن الضغط يزداد على أي إصلاح ليبرهن أثره سريعًا وبصورة ملموسة
التمييز مطلوب بين ما هو رمزي وما هو قابل للقياس. ففي المدن الكبرى التي تحتضن نحو نصف السكان والنشاط الاقتصادي، أثبتت التجربة أن تحسينات دقيقة مثل تنظيم النقل العام، وتقنين العمل الجزئي، وربط التدريب المهني بحاجة السوق قادرة على تعديل تصوّرات الثقة أسرع من أي خطاب سياسي.
وفي هذا السياق، تبرز فكرة “تحالفات المطالب”: عقود سياسية علنية بين تكتلات شبابية وكتل/أحزاب برلمانية حول ثلاث أولويات بحد أقصى ولمدة 12 شهرًا، تُترجم إلى أدوات رقابية ومقترحات قوانين وتعديلات موازنات محلية، مع مؤشرات أداء قابلة للقياس .

تاريخيًا، حصدت القوى ذات الشبكات الاجتماعية التقليدية مكاسب مستقرة، غير أن الصيغة الجديدة فتحت نافذة لأحزاب حديثة لتأمين مقاعد “نوعية” ببرامج موقّعة بالأرقام لا بالشعارات. وقد حصدت القوائم الحزبية الجماعية في انتخابات 2024 أكثر من ربع المجلس؛ وهي كتلة قادرة لو توحّدت حول أجندة تشغيلية على تمرير تشريعات موجّهة للشباب. وإذا نجحت التكتلات الناشئة في تنظيم 5–10 مقاعد شبابية “منسّقة” في الدورة المقبلة، سيتبدّل ميزان التفاوض داخل اللجان والهيئة العامة. هذه ليست قفزة في المجهول؛ فالديموغرافيا مواتية، والتمويل العام المشروط يتيح معادلة “تمويل مقابل نتيجة”، شرط شفافية الإفصاح الدوري وربط الإنفاق بمستهدفات قابلة للتدقيق .

السيناريو المرجَّح هو بقاء التعددية مُدارة بحذر، ومشاركة انتخابية حول 30–35%، مع استمرار توظيف الشباب واجهةً رمزية في بعض القوائم.

أما السيناريو الأفضل فيقوم على إدماج تفاوضي تقوده أولويات اقتصادية وتشغيل، استثمار، خدمات وتحويل البيانات إلى سياسات قابلة للقياس بعتبات زمنية ربع سنوية، وتماسك حزبي أعلى حول ملفات محدّدة.

فيما يظل السيناريو المتشائم رهين تضييق الفضاء العام أو صدمات إقليمية ترفع منسوب المخاطر وتعيد تموضع القوى المعارضة، بما يجمّد النوافذ التشريعية الناشئة.

يبقى الفارق بين أن يظل الشباب “ديكورًا” وأن يتحولوا إلى “كتلة تغيير” مرهونًا بقدرتهم، ومعهم شركاؤهم الحزبيون، على التنظيم والقياس. فحين تُربط المقاعد والتمويل والوعود بمؤشرات منشورة مثل خفض بطالة الشباب نقطة مئوية سنويًا، ورفع التغطية الفعلية للنقل الحضري 10%، وتوسيع برامج التدريب المنتهي بالتشغيل إلى 20 ألف مستفيد سنويًا ، تتحول السياسة من صالة العرض إلى ورشة التنفيذ وان الشباب لا يجتاجون الى خطاب اشراك بل الى ادوات اشراك .
ففي النهاية، السياسة لا تُقاس بعدد الخطابات، بل بعدد فرص العمل التي تولدها والقوانين التي تغيّر حياة الناس ، عندها فقط ينتقل الإصلاح من خانة التجميل إلى خانة التغيير.



عدد المشاهدات : (4584)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :