رم - دعاء الموسى
في كل مباراة محلية وقبل أن نشاهد كرة تتدحرج على العشب، نصطدم بواقع أكثر إيلامًا من الأداء الفني للفرق: "أصوات المعلّقين".
أصوات كان يُفترض أن تكون مرشداً للجمهور، تمنحه المعلومة الدقيقة، وتضفي على الحدث متعةً إضافية، لكن ما نسمعه اليوم في البطولات المحلية لا يتجاوز كونه “ثرثرة على الهواء” أشبه بجلسة دردشة عابرة، يغيب عنها العمق الرياضي، وتغرق في الحشو والكلام الفارغ.
يكفي أن تتابع مباراة واحدة لتكتشف حجم الفجوة: معلّق يخلط بين اسم أسطورة أردنية وبين لاعب ناشئ، وآخر يسرح بخياله بعيداً عن الملعب، وثالث يملأ الوقت بحكايات شخصية لا تمت بصلة لما يجري أمام عينيك، والنتيجة.. جمهور يخرج من المباراة بصداعٍ أكثر من خروجه بمتعة كروية.
الصدمة الكبرى أن كثيراً من هؤلاء المعلّقين يدخلون الهواء المباشر دون أدنى تحضير، فلا يعرف أسماء اللاعبين بدقة، ولا يمتلك أرشيفًا معلوماتيًا عن الفرق، وكأن وظيفته تقتصر على ملء الفراغ بالصوت، بينما التعليق الرياضي الحقيقي قائم على الثقافة، التحضير، والقدرة على إيصال المعلومة في وقتها المناسب.
ولا نتحدث هنا عن الجميع، فهناك أسماء لامعة لها باع طويل وخبرة تُحترم، تضيف قيمة حقيقية للمباراة، لكن إلى جانب هؤلاء، تطفو أسماء أخرى باتت تشكّل “كارثة صوتية وفنية” لا تليق بمستوى كرة القدم الأردنية، ولا بآذان جماهيرها.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل المشكلة في غياب دورات متخصصة لصقل مهارات المعلّقين؟ أم أن الأمر مرتبط بانعدام الانضباط الرياضي عند البعض، والاستخفاف بواجب التحضير؟ أم أن الساحة مفتوحة لأي هاوٍ يملك صوتاً مرتفعاً دون أن يمتلك أدوات المهنة؟
الجماهير التي تقضي تسعين دقيقة بين حماس الملعب خلف الشاشات وضجيج الميكروفون، من حقها أن تطالب بتعليق يليق بها، لأن التعليق ليس مجرد “حكي على المباشر”، بل هو علم، مسؤولية، وأمانة تجاه الرياضة والناس.