رم - أ.د. علي حياصات
الأمم المتخلفة عندها أمل. الصين كانت جائعة، فقررت أن تأكل العالم. سنغافورة كانت مستعمرة مغمورة، فصارت مركزًا ماليًا يساهم في اللعبة. أما نحن؟ فنختلف. نحن اخترعنا وصفة فريدة: نعيش الأزمات كأنها زينة حياتنا اليومية، ونستمتع بالشكوى وكأنها موسيقى تصويرية لوجودنا.
انقطاع كهرباء؟ نتحول إلى فلاسفة. زحمة سير؟ نكتب منشورات وجودية من داخل السيارة. ارتفاع أسعار؟ نلعن الدنيا، ثم نذهب في المساء إلى كافيه فخم ندفع فيه ما يعادل كامل قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية. نمارس النكد وكأنه رياضة وطنية، ونُطلق التنهيدة الثقيلة وكأنها نشيد قومي.
نحتج على الفساد، لكننا نعتبر "الواسطة" جزءًا من الهوية الوطنية. نلعن سوء الإدارة، بينما نحن لا نستطيع إدارة جلسة عائلية. نرفض غلاء المعيشة، لكننا نُنافس بعضنا على مَن يقيم العرس الأكبر، حتى لو انتهى العريس مديونًا لآخر حياته. وحتى في الموت لا ننسى العرض: بيت العزاء صار مهرجانًا اجتماعيًا، وكأن رحيل إنسان فرصة مثالية لإظهار مكانتنا الاجتماعية.
هكذا نعيش: دولة نريدها مثالية، لكننا لا نحتمل طابورًا من خمس دقائق. اقتصاد نريده قويًا، لكننا نستهلك أكثر مما ننتج. سياسة نريدها عادلة، لكننا لا نساهم بفعالية ايجابية في صناديق الاقتراع ونكتفي بالتعليقات النارية على "الفيسبوك".
الحقيقة المرة؟ لسنا متخلفين. المتخلف عنده فرصة أن يلحق. نحن مختلفون: مختلفون بطريقة تجعلنا نركض في الاتجاه الخطأ بكل حماس، ثم نستغرب لماذا لا نصل.
وهنا المأساة الساخرة: نحن مجتمع يقدّس المظاهر، يعيش على الشكوى، ويحوّل كل أزمة صغيرة إلى فيلم هوليودي طويل. نحن نُتقن دور الضحية، ونستمتع بتكراره. لكن العالم لا ينتظر الضحايا؛ العالم يمشي، ونحن باقون نُراقب من بعيد، نُطلق تنهيدة أخرى، ونعود لاحتساء قهوة غالية في مقهى مزدحم.
باختصار, نحن لسنا أمة متخلفة، بل أمة مأزومة، مختلفة عن العالم كما يختلف المتفرج الكسول عن العداء الذي يركض في المضمار. الاثنان في نفس المكان، لكن أحدهما يركض نحو المستقبل، والآخر يكتفي بالتصفيق والتنهيد , لا بل ويغرق في الماضي اكثر.