"عظمة الوطن تتجاوز نزق النفوس"


رم -


"عظمة الوطن تتجاوز نزق النفوس"

أما آن لأنفاس الوطن أن تُسمع، وهي تئن من وطأة المهاترات العابرة؟
أما آن للنفوس المتصارعة أن تنحني احترامًا لعظمة الأرض التي سقى الشرفاء بدمائهم، وللسهول التي حملت القمح لقلوب الجياع، وللوديان التي طهّرتها دماء الأبطال، وللجبال التي تعانق السماء شاهدةً على صبر الأوفياء؟ الأردن ليس قطعة تُقسم بالأهواء، ولا محطةً عابرةً في حياة المسؤولين، بل هو العمر كله، والذاكرة التي تنبض ببطولات الأجداد، والحضارة التي تحتضن الحاضر، والراية التي رفرفت عالية لتظلّل أبنائها بالعدل والأمن والسلام، قال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»؛ فالوطن الذي جمعنا لا يحتمل الانقسام، والمصالح الصغيرة لا تساوي شيئًا أمام عظمته وكرامته.
أيها السادة، إن المناصب التي شرفتموها يومًا ليست لأهواء الذات، ولا للانتقام من خصم صغير، بل هي دعوة لتقدير المسؤولية التي فُوضتم بها، وتحمل تبعاتها بما يليق بتاريخ وطن لم يلد إلا العظماء، كما قال المتنبي: إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ فلا تقنعْ بما دون النجوم"فلنرتقِ بعقولنا وأرواحنا إلى ما يليق بهذا الوطن، لا إلى نزق المصالح الضيقة.
ان وطني اليوم يقف على مفترق طرق الإقليم المضطرب، تحيط به أخطار ليست من نسج الخيال، بل هي وقائع صارخة تدق أبوابنا كل صباح، والفيلسوف على حق حين قال: «العقل زينة القائد، والحكمة حصن الدولة». فهل يليق بنا أن نلهو بينما الوطن يطلب منا صفًّا متماسكًا وقلبًا واحدًا؟ إن الأردن وطنٌ لا يقاس بما نخسره اليوم من مصالح عابرة، بل بما نرسمه له من استقرار وغدٍ مشرق، وهو أبهى من كل خلاف، وأجمل من كل نزاع، وأغلى من كل مصلحة آنية، كما قال الشاعر: وطني إن شُغلتُ بالهوى عنك صبرت، وإن نسيتُك دمعت عيني" فلنرفع الولاء فوق الصغائر، ولنزرع الحكمة حيث تنمو الأماني، ولنُطفئ نيران المكايدات قبل أن تلتهم بيوتنا وأحلامنا، نعم فالأردن أكبر من كل المنافع الآنية، وأعمق من كل نزاعات النفوس، وأجمل من أن يُقاس بخلافاتنا، فهو القاسم الذي لا يقبل القسمة، والعنوان الذي لا يُخطئه قلب، والنبض الذي يذكّرنا دائمًا بأننا زائلون وهو الباقي، ولنستحضر صور الوطن في كل قرار، لنرى السهول والجبال والوديان، لنسمع أصوات الأجداد وهم ينادوننا بأن نحفظ الأرض والعرض والكرامة، لنرتقِ جميعًا إلى مستوى المسؤولية، ولنضع الوطن أمام أعيننا قبل أن تبتلعنا رمال المصالح الضيقة، وقبل أن يكتب التاريخ عنّا ما لا يليق بتاريخ أمة تعرف كيف تصنع المجد وتحمي عِرض الأرض وكرامتها.
أيها الأحبة، دعونا نعلو فوق النزاعات، نُسقط عن كواهلنا ثقل الخصومات، ونجعل من عقولنا فجرًا يُنير الطريق للأجيال القادمة، وقلوبنا محطات ولاء متجددة للأردن وقيادته ، فالوطن أمانة قبل أن يكون فخرًا، واستقرارًا قبل أن يكون مجدًا، وجمالًا قبل أن يكون ذكرى، ولنرفع الصوت بالحب والالتزام، لا بالصراخ والخصام، ولنجعل من كل كلمة حكمة، ومن كل قرار رشدًا، ومن كل لحظة حضورٍ في خدمة الوطن، درعًا يحميه من نزق المصالح والهوى الضيق، ولتظل راية الأردن عالية شامخة، لا يعرف لها إلا احترام القلوب النقية.


أ.د غازي عبدالمجيد الرقيبات



عدد المشاهدات : (814)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :