بين الخرائط الجديدة وحروبٍ من نوع آخر


رم - د. روان سليمان الحياري


في مشهد دولي تتشابك فيه الجغرافيا بالاقتصاد، والأمن بالتكنولوجيا، تتكشف ملامح نظام عالمي جديد. فمن القوقاز إلى شرق أوروبا، ومن مختبرات الطائرات المسيّرة إلى سباقات الذكاء الاصطناعي، نجد أنفسنا أمام لوحة استراتيجية -تحتاج مننا الكثير-، حيث كل خطوة دبلوماسية أو تقنية تعيد رسم خرائط النفوذ وتعيد توزيع كنوز الأرض.

نجحت الولايات المتحدة في تحقيق اتفاق صلح -تاريخي- طويل الأمد، بين كلٍّ من أذربيجان وأرمينيا. ليس ليوقف نزيف الحروب فحسب، بل ليفتح أيضاً أبواب التجارة والطاقة أمام مسارات جديدة تمتد من آسيا الوسطى إلى المتوسط. بينما تكرّس أذربيجان فيه نفسها لاعباً في أسواق الطاقة العالمية، وأرمينيا تجد منفذاً جديداً لتجاوز عزلتها الجيوسياسية. تركيا كذلك باعتقادي خرجت فائزة بتوسيع نفوذها كقوة إقليمية تربط أوروبا بالشرق، حتى إيران، رغم حساسياتها، تدرك أن الهدوء في القوقاز يمنحها مجالاً لإعادة التموقع وتوظيف أوراقها في المعادلة الإقليمية، وانعكاسات ستظهر قريبا.

المصالحة المفترضة بين موسكو وكييف لن تكون مجرد نهاية لحرب دموية، بل بداية لإعادة توزيع النفوذ في أوروبا وآسيا. روسيا ستسعى لترميم قوتها الاقتصادية والعسكرية مع الحفاظ على بعض أوراقها في البحر الأسود، فيما تترقب أوروبا تداعيات أي صفقة محتملة على أمن الطاقة وعلى الحدود الشرقية لحلف الناتو. الأهم أن هذا الصلح – إن تحقق – سيعيد تعريف دور أوكرانيا كدولة وسيطة بين الشرق والغرب، ويكشف عن كنوز الأرض المخزونة من معادن وموارد زراعية قد تصبح جزءاً من معادلة الطاقة والغذاء العالمية.

في خلفية كل هذه التحولات تقف ثورة الذكاء الاصطناعي. الحرب المقبلة ليست فقط على الأرض أو البحر، بل في فضاء البيانات والخوارزميات. الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل الاقتصاد، يغيّر أنماط العمل، ويعيد تعريف الأمن القومي. من يملك القدرة على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ودمجها في الاقتصاد والمجتمع، سيكون لاعباً أساسياً في النظام الدولي القادم.

المسيّرات، لم تعد مجرد أدوات عسكرية؛ بل غدت صناعة استراتيجية تعكس توازن القوى. أدركته -مبكراً-دولاً غدت اليوم، في مصاف المصدرين، لتفرض نفسها في معادلات الحروب الإقليمية، بمعطيات جديدة.

يتجه العالم اليوم نحو عصر "المعادلات المركبة": صلحٌ هنا، تكنولوجيا هناك، واقتصاد يتشابك مع أمن. فلندرك أن الخرائط الجديدة ، ما عادت تُرسم فقط بالبنود السياسية، بل أيضاً بالأسواق الرقمية والخوارزميات الذكية.

فحروب المستقبل، سلاحها الحقيقي مدى القدرة الفعلية على التكيف والإبداع في مواجهة عالم سريع التحول!




عدد المشاهدات : (4685)

تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار وكالة رم للأنباء - أخبار عاجلة، آخر الأخبار، صور وفيدوهات للحدث. علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :