رم - بعد مسيرة مثيرة للجدل قضاها بين شجارات الشوارع والسياسة اليمينية المتطرفة، يقود أندريه بيلتسكي، العقيد الأوكراني البالغ من العمر 46 عاماً، الفيلق الثالث للجيش الأوكراني بقوة ونفوذ يثيران مخاوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفق ما ذكرته صحيفة "التايمز" البريطانية.
يُنظر إليه كرمز للقومية الأوكرانية، حيث نجا من اتهامات بالنازية الجديدة ومحاولات انتحار كادت تنهي مسيرته، ليصبح، اليوم، قائداً لفيلق يضم 20 ألف جندي، يتحمل مسؤولية أكثر من عُشر خط المواجهة في الحرب ضد روسيا.
وبدأ بيلتسكي حياته القتالية في شوارع خاركيف، على بُعد 20 ميلاً من الحدود الروسية، حيث صقل مهاراته خلال مواجهات مع المتظاهرين الموالين لروسيا وسجن كزعيم لجماعة "وطني أوكرانيا" القومية.
كتيبة آزوف
في العام 2014، أسس كتيبة آزوف التي أثبتت فاعليتها في ساحات القتال، لكنها أثارت جدلاً بسبب ارتباطها بأيديولوجيات متطرفة، وانتُخب في العام نفسه نائباً برلمانياً على منصة يمينية متشددة، وواجه اتهامات معاداة السامية، وهي تهمة ينفيها بشدة، مؤكداً أن وحداته تضم جنوداً يهوداً، بما في ذلك مواطنون إسرائيليون.
وفي تحول لافت، يقدم بيلتسكي نفسه، اليوم، كقائد إصلاحي يدافع عن قيم أكثر انفتاحاً، مشيراً إلى استعداده لحماية حقوق المثليين والمهاجرين لتتماشى أوكرانيا مع القيم الأوروبية.
هذا التحول بدأ يتبلور العام 2023، عندما شكّل لواء الهجوم الثالث بعد حصار آزوفستال، حيث اكتسب اللواء مكانة أسطورية في الثقافة الشعبية الأوكرانية.
وفي مايو 2025، رقي إلى قائد الفيلق الثالث، وهي خطوة جاءت ضمن إصلاحات عسكرية تهدف إلى توحيد الألوية تحت قيادات دائمة لتحسين التنسيق والكفاءة.
يشتهر لواء بيلتسكي بقوته القتالية، ومعنوياته العالية، حيث يحافظ على استقراره في مناطق حاسمة مثل ليمان وإيزيوم، بينما تعاني وحدات أخرى من نقص في الجنود والإرهاق.
يُعزى نجاحه إلى قاعدته الشعبية القومية وتكتيكاته الفعّالة، التي جذبت دعماً دولياً مباشراً، مثل تبرعات بمركبات مدرعة من لاتفيا ومدافع هاوتزر من بريطانيا. كما يفتح بيلتسكي خطوطه الأمامية لاختبار الأسلحة الغربية، مقدماً بيانات قيمة لشركات التكنولوجيا العسكرية.
رغم نجاحاته، يبقى بيلتسكي شخصية مثيرة للجدل، إذ ينتقد بجرأة قيادات عسكرية عليا، واصفاً بعض تصرفاتهم بـ"الخيانة"، ويواجه اتهامات باستخدام العنف كعقاب، وهو ما ينفيه.
ويركز، اليوم، على رفاهية جنوده، مؤكداً أن الأيديولوجية، والأخوة العسكرية، هما ما يدفع جنوده للقتال، ويقول: "في أصعب اللحظات، لا تُهم الحوافز المادية، بل إيمان المحارب بمهمة أعظم".
زيلينسكي في خطر
على الجبهة السياسية، يُعتبر بيلتسكي قوة متنامية، خاصة بعد انتقاده لمحاولات الرئيس زيلينسكي للسيطرة على هيئات مكافحة الفساد. يرى أن أوكرانيا بحاجة إلى مجتمع عسكري دائم على غرار إسرائيل، مع اقتصاد مدعوم بصناعة عسكرية قوية، كما يؤمن بأن روسيا ستواجه اضطرابات داخلية ستتيح لأوكرانيا استعادة أراضيها.
بينما يُمجد جنوده بيلتسكي ويصفونه بإجلال، يحمل هو وطأة الخسائر، خاصة فقدان أصدقائه المقربين. يقول: "فقدان الأصدقاء يعني ألا تجد من تشاركه يومك". مع ذلك، يواصل قيادة فيلقه بنفس الروح القومية، ساعياً إلى بناء أوكرانيا قوية عسكرياً وموحدة، قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.