رم - د. روان سليمان الحياري
لم يعد ما يجري في غزة أو سوريا وغيرها في المنطقة محصورًا في جغرافيتها الصغيرة؛ فحرائق الإقليم المشتعلة، تتغذى من ديناميكيات إقليمية ودولية أكبر، تعيد صياغة التوازنات في المنطقة على نحو ينذر بإطلاق موجة جديدة، لإعادة رسم خرائط وتحالفات تتجاوز الحدود. فالمنطقة اليوم تخضع لإعادة برمجة جيوسياسية وأمنية واسعة، تتداخل فيها مشاريع القوى الكبرى مع طموحات قوى إقليمية، في مخاض لميلاد شرق أوسط مختلف.
التصريحات الأخيرة لنتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" ليست مجرد شعارات تعبوية، بل جزء من رؤية باطار منهجي وأفق مدروس، فبمتابعة ما يحدث في الاقليم، بشكل يتجاوز الجغرافيا التقليدية، نحو فضاء أوسع، يوظف خليط الأيديولوجيا الدينية والمصالح الاستراتيجية، برؤية تتقاطع مع توجهات المشاريع الفاعلة في الاقليم، بما يضمن السيطرة على الموارد والممرات الحيوية والشكل القريب لحركة التجارة والتداولات المالية.
ومع اضمحلال "أوسلو" والحرب المفتوحة على جبهات متعددة في المنطقة، وتنوع أشكال الإستهداف واتساع دوائره، يُفتح الباب أمام طورٍ جديد من المقاربات الوجودية، تبرز معه مسؤولية توظيف أدوات الضغط السياسية والاقتصادية لوقف الفوضى في المنطقة، وإنهاء الكارثة الإنسانية في غزة، مع إدراك أن الصراع لم يعد محصورًا في البعد العسكري، بل أصبح جزءًا من معركة أوسع على ملامح نظام دولي جديد، في ظل تصاعد صراعات داخلية على أسس دينية وعرقية وطائفية في المنطقة، تخدم ذلك.
إن إدراك طبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها الاقليم، وفهم تشابك أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، يتطلب استراتيجية إنقاذ توافقية نافذة، تعيد توجيه مسار المنطقة -بعيدًا عن التفكيك والفوضى- نحو فضاء يحفظ السلم العالمي، ويمكن الأجيال القادمة من مساعيهم للتنمية والنهضة الحقيقية.
فطالما كان هنالك فرق بين ما يمكن تصنيفه كظاهرة صوتية، وبين صوت مشروع يعمل على الأرض أكثر بكثير مما يتحدث..
فهل لازال هنالك وقت للأحاديث ؟!..